سادت أجواء تفاؤل اليوم الأول من مفاوضات آستانة، وسط رهان على أن يساعد الانخراط الأميركي الأكبر في هذه الجولة الرابعة من جلسات التفاوض السوري - السوري في التوصل إلى اتفاق يثبّت وقف النار في «مناطق آمنة» ويمهّد الطريق أمام إطلاق المسار السياسي مجدداً في جنيف. وأعلن وفد المعارضة السورية «تجميد» مشاركته موقتاً في آستانة مباشرة بعد تقديمه ورقة اشتملت على مطالب بوقف النار وإطلاق معتقلين وفتح ممرات إنسانية، مع إعلان قبوله إقامة «مناطق آمنة» في شكل «موقت» فقط لئلا يكون ذلك بمثابة تمهيد لتقسيم سورية، عقدت الوفود المشاركة سلسلة لقاءات ثنائية هدفت إلى بلورة موقف موحد حيال الاقتراحات الروسية المقدمة إلى المفاوضات، وسط توقعات بإعلان اتفاق اليوم على تثبيت الهدنة وإقرار أربع مناطق «هادئة» ووضع آليات للفصل بين المتحاربين فيها (للمزيد). وبالتزامن مع ذلك، استمر الاقتتال لليوم السادس بين «فيلق الرحمن» و «هيئة تحرير الشام» من جانب، و «جيش الإسلام» من جانب آخر، على محاور زملكا وعربين وحزة وبيت سوى ومزارع الأفتريس والأشعري ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية لدمشق، ورصد حقوقيون مقتل قرابة 150 شخصاً منذ بدء الاقتتال، بينهم 133 من الفصائل والبقية من المدنيين. كما برز ميدانياً، من جهة أخرى، نجاح «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة بقوات خاصة أميركية في استكمال السيطرة على مدينة الطبقة الجديدة، بعدما انسحب عناصر تنظيم «داعش» إلى مبنى سد الفرات المجاور. وسرت معلومات عن أن «داعش» سحب عناصره من المدينة بناء على اتفاق مع «سورية الديموقراطية» يمنحهم ممراً آمناً إلى مدينة الرقة، عاصمة التنظيم وآخر معقل له في شمال سورية. وتوقع معارضون أن يستكمل التحالف سيطرته على مبنى سد الفرات والحي الأول في «مدينة الثورة» بالطبقة خلال ساعات. وتقع الرقة على مسافة 40 كلم شرق الطبقة. واتهم ناشطون «داعش» أمس بالوقوف وراء تفجير سيارة مفخخة أوقع خمسة قتلى أمام مقر ل «الحكومة الموقتة» التابعة للمعارضة السورية في مدينة أعزاز على الحدود السورية - التركية. سياسياً، انصب التركيز الأساسي في الجلسات الأولى لمفاوضات آستانة، أمس، على الورقة الروسية التي تم تداولها بكثافة، رغم أن موسكو لم تعلن رسمياً مضمونها. لكن الوفد الروسي في آستانة عرضها في اللقاءات الثنائية التي أجراها مع الجانب الأميركي ومع «الضامنَين» لوقف النار، إيران وتركيا، كما تمت مناقشتها خلال لقاء جمع الروس مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. لكن وفد المعارضة السورية المسلحة وجّه الاهتمام إلى منحى آخر، عندما فاجأ الحضور بإعلان تعليق مشاركته في الجلسات، احتجاجاً على استمرار القصف الجوي على مناطق تحت سيطرة المعارضة. ووزع الوفد الذي يرأسه محمد علوش ورقة تضمنت عشرة بنود ربطت المعارضة بين تنفيذها واستئناف المفاوضات. وفي مسعى لمحاصرة التطور، أعلنت الخارجية الكازاخية أن وفد المعارضة سيستأنف مشاركته في جلسات التفاوض اليوم. وتميّز اليوم الأول من المفاوضات بلقاءات نشطة هدفت إلى تقريب وجهات النظر، والتقى الوفد الروسي برئاسة مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط ألكسندر لافرينتيف في آستانة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ستيوارت جونز، في أول اتصال يجمع الطرفين بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي دونالد ترامب ليلة الثلثاء - الأربعاء، واتفق خلالها الطرفان على دفع الاتصالات حول سورية على مستويات عدة. وتنص الوثيقة الروسية التي تتم مناقشتها على «إنشاء مناطق لتخفيف التصعيد في محافظة إدلب، إلى الشمال من حمص، في الغوطة الشرقية (التي ينشئها الضامنون) وفي جنوب سورية (التي ينشئها الضامنون والأطراف المعنية الأخرى) بهدف وضع حد فوري للعنف، وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية». أما ورقة المعارضة فقد تضمنت تحميل الحكومة السورية وإيران مسؤولية عدم الالتزام بوقف النار، كما انتقدت مواقف روسيا «الداعمة لدمشق» وتضمنت موافقة من حيث المبدأ على فكرة المناطق الآمنة، لكنها اعتبرتها إجراء موقتاً لتخفيف معاناة اللاجئين ولا يمكن أن يكون بديلاً من الانتقال السياسي. وفي نيويورك، يستعد مجلس الأمن لمواجهة جديدة حول ملف الأسلحة الكيماوية في سورية في ضوء اقتراب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من إنجاز تقريرها في نتائج تحقيقاتها في هجوم خان شيخون الكيماوي الذي أودى بحوالى مئة شخص. وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن بأن تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في حادثة خان شيخون لا تزال مستمرة، لكنه سلّم المجلس رسالة من المدير العام للمنظمة أحمد أوزومجو أكدت توصل تحقيقات المنظمة إلى أن المادة الكيماوية القاتلة التي استخدمت في خان شيخون كانت غاز السارين، أو مادة مشابهة له، مشيراً إلى أن المنظمة تلقت طلباً من الحكومة السورية لإرسال «بعثة تقنية إلى كل من خان شيخون ومطار الشعيرات بغية استجلاء حقيقة ما حدث في شكل شامل وشفاف». وقدّمت روسيا طلباً مماثلاً.