إذا كانت علاقة الفنان ملحم بركات غير منتظمة وغير جيدة، تحديداً على صعيد التلحين، مع نجوم الغناء الآخرين في لبنان بسبب شروطه «التعجيزيّة» كما يقولون إذ يرفض تعديل أي نوتة من اللحن وأي حرف من الكلمات وأي نبرة من الأداء الذي يطلبه منهم إذا ما قصدوه لينشدوا من ألحانه... فإن الطريقة الوحيدة التي يستطيع بركات التأثير فيها على «عالم» الغناء اللبناني لإثبات «نظرياته» الفنية هي التعامل مع الأصوات الجديدة. وكلمة «نظرياته» ليست في معرض المبالغة، فلملحم أسلوب خاص جداً في التلحين والأداء، ولديه أهداف يراها «وطنية» في دفاعه عن الأغنية باللهجة اللبنانية، لكن صوته النقدي غير مسموع كما ينبغي لدى الجيل الذي أسّس تجربته الفنية على التعاون مع الملحنين المصريين أو الخليجيين. وتالياً فإنه بدلاً من أن يستمر في لعن الظلام... في رؤوس بعض النجوم وأصواتهم، يمكن أن يتوجه إلى باب يُرجّح أن يكون فاعلاً فيه أكثر، هو اختيار صوت أو أكثر من الأصوات ذات الكفاءة الأدائيّة العالية، ودعمها لحنياً، والاعتماد عليها في مدّ الغناء اللبناني بالدم الجديد الذي يطلبه... وليس الأمر بعيداً من تجربة بركات و «تاريخه» الفني. ففي أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي تعاون مع عدد كبير من المغنين النجوم الذين كانوا في مطلع شبابهم العملي يومها، من وليد توفيق الى غسان صليبا الى أحمد دوغان الى ربيع الخولي فضلاً عن ألحان كثيرة كان يقدمها للمكرّسين مثل صباح ونصري شمس الدين وغيرهما، وقد رسّخ بهؤلاء صورته كملحن، ولا سيما أن أغلب تلك الأغاني التي لحنها لهم كان ناجحاً ولاقى انتشاراً واسعاً... ثم انقطع بعد ذلك عن التلحين للآخرين، أي بعد نيله شهرته كمُغنّ، وبات يركز على التلحين لنفسه والانصراف لبناء علاقته كنجم غناء رئيسي مع الجمهور، كونه كان قبل ذلك الوقت ليس من الرئيسين بينهم... وقد أفاده ذلك الانصراف الى صوته لأنه تحوّل أكبر رقم صعب في الغناء اللبناني الجديد... ولا يزال. صحيح، أن بركات تعاون مع نجوم غناء شباب وصبايا خلال السنوات الأخيرة مثل شذا حسُّون مثلاً، إلى جانب تعاونه مع نجمات أكبر قدراً وسناً مثل ماجدة الرومي ونجوى كرم، وكانت النتيجة جيدة مع الرومي وغير جيدة في الأغلب الأعم، خصوصاً مع كرم وحسون لأسباب معروفة ولا مجال لإثارتها هنا، فإن الصحيح أيضاً هو أن المحاولة ينبغي ألاّ تتوقف مع آخرين غير حسون وكرم، بل لا بدّ من أن تطلّ على أصوات قد تكون أكثر تجاوباً مع بركات إن في تقبل ألحانه كما هي من دون أي اعتراض على أي «أمر»، أو في تقبله هو بعض الملاحظات لا بد من أيّ صوت يملكها حيال لحن جديد يسمعه ويرغب في النقاش حوله... ولا شك في أن بعض الاعتراضات قد تكون مفيدة خصوصاً عندما تأتي من نجوم متمكّنين كما حصل مثلاًَ بين بركات ونجوى كرم حول أغنية «بدك مليون سنة» إذ قيل إن بركات لحّنها لكرم وأسمعها إياها فأحبتها لكنها طلبت تغيير جملة واحدة في الكلام فرفض بركات وأصرّ... فذهبت الأغنية إلى صوته هو وهي الآن إحدى أجمل أغانيه الجديدة. لكنها (أي الأغنية) لو أُخِذَ برأي كرم فيها لكانت أفضل فعلاً... فمطلع الأغنية هو «بدّك مليون سنة تا تعرف أنا مين»... أما كرم فطلبت أن يكون المطلع بشكل آخر... وأفضل. خطوة من بركات باتجاه تفهم آراء النجوم الذين يتعامل معهم. وخطوة من هؤلاء باتجاه اقناع بركات بوجهات نظرهم إذا وجدت قد يكون الحلّ... وإلاّ فإن القطيعة ستستمر وسيستمر معها فقدان بعض الأغاني الجديدة التي يمكن أن تولد وتولِّد معها ازدياداً في منسوب الاجادة في الغناء اللبناني الجديد.