هناك اسم في التاريخ الأوروبيّ قد لا يذكره كثيرون: إرنست تالمان. إنّه قائد الحزب الشيوعيّ الألمانيّ في الثلاثينات، والذي بالتوافق مع توجيهات جوزيف ستالين، اعتبر الحزب النازيّ والحزب الاشتراكيّ الديموقراطيّ شرّين متساويين. هذه السياسة كان لها قسطها في إيصال أدولف هتلر إلى التحكّم بالحياة الألمانيّة من خلال انتخابات نيابيّة. تالمان صار رمزاً للّعنة بعدما تعرّف العالم إلى الحكم النازيّ وأهواله. صحيح أنّ ستالين غيّر نهجه ودعا، أواسط الثلاثينات، إلى إقامة «الجبهات الشعبيّة». لكنّ تالمان كان حينذاك يتعفّن في سجنه، قبل أن يقضي في واحد من أفران الغاز الهتلريّة. ليست مارين لوبن أدولف هتلر، وهي حتّى لو فازت في الدورة الثانية من الانتخابات الفرنسيّة، الأحد المقبل، قد لا تعطّل المبدأ الانتخابيّ، وبالطبع لن تقيم أفران غاز. لكنّ في زعيمة «الجبهة الوطنيّة» ما يكفي من أسباب الخوف والقلق: على فرنسا، وعلى أوروبا، وعلى اللاجئين والمهاجرين إليها، وعلى ذوي الأصول غير الفرنسيّة فيها، وعلى سويّة الوعي والعقل عموماً. استقصاءات الرأي العامّ لا تزال تعطي منافسها «الوسطيّ» إيمانويل ماكرون أكثريّة مريحة. إلاّ أنّها تُردف تقديراتها ب «إذا...»: إذا استرخى كثيرون من الفرنسيّين ولم يصوّتوا. إذا صوّت للوبن، أو امتنع عن التصويت، أو صوّت بالورقة البيضاء، اليساريّون الشعبويّون الذين التفّوا، في الدورة الأولى، حول جان لوك ميلانشون. إذا انحاز إليها، بدافع القوميّة أو المحافظة، ديغوليّون قدامى، مقلّدين ما فعله الديغوليّ نيكولا إينيان الموعود، في حال فوزها، برئاسة الحكومة. إذا غلّب البعض همّ الحفاظ على ثنائيّة اليمين واليسار التقليديّة على همّ التصدّي للعنصريّة ورمزها الصاعد. هذه الصيغ التالمانيّة قد تشوّه وجه الأحد المقبل. قد تقلب نتائجه إلى مأساة. قد تكرّر في فرنسا «المفاجأة» التي حدثت بفوز «بريكزيت» في بريطانيا، ثمّ بفوز دونالد ترامب في الولايات المتّحدة. أصواتٌ شجاعة وحكيمة يتقدّمها القطب الديغوليّ آلان جوبيه تحذّر من مآل مأسويّ كهذا. تنبّه إلى خطورته. تدعو إلى اليقظة والاستنفار في مواجهة الاحتمال الأسود. تحاول أن تستعيد لحظة 2002 حين اصطفّت فرنسا وراء جاك شيراك، في الدورة الانتخابيّة الثانية عامذاك، لإسقاط جان ماري لوبن، والد مارين. جاك شيراك لم يؤدّ إلى خلاص فرنسا، وأغلب الظنّ ألاّ يؤدّي ماكرون إلى مثل هذا الخلاص. لكنّ المؤكّد أنّ انتصار لوبن سيقود فرنسا، ويشارك في قيادة أوروبا والعالم، إلى الهاوية. الزمن الشعبويّ الراهن يعيد ترتيب الأولويّات بمقدار ما يخفض الطموحات: الآن وقت التصدّي للشعبويّة العنصريّة. كلّ كلام آخر يتراوح بين اللغو والكذب. الذين يقولون إنّ انتخاب ماكرون لا بدّ أن يوصل لوبن في 2022، لن يترتّب على جزمهم إلاّ إيصالها في 2017. هكذا يستعجلون حصول الكارثة ما دام أنّها حاصلة حتماً! إنّ موقف المساواة العدميّ بين لوبن وماكرون، الذي يتّبعه خصوصاً ميلانشون، قد يغدو السبب الأوّل في حصول «المفاجأة» وفي الانتصار للانحطاط. والحال أنّ المعجب بفلاديمير بوتين وبالراحل هوغو شافيز، الكاره لأوروبا والمُحبّ لبشّار الأسد، يفعلها. على أيّ حال، ما همّ! بعد سنوات قليلة نمارس النقد الذاتيّ.