في الوقت الذي يؤمم فيه السياح من مناطق سعودية عدة وجوههم شطر جبال مرتفعات الباحة وهضابها صيفاً باحثين عن الهواء النقي والهرب من شظى الحرارة المرتفعة، يعكس أهالي الأخيرة بوصلتهم شتاءً، وتبدأ رحلة هبطوهم الاضطرارية من ارتفاع نحو 1700 متر عن سطح البحر نحو القطاع التهامي المنخفض هرباً من البرد القارس ودرجات الحرارة التي تقترب من الصفر. ويجد عبدالله الزهراني نفسه مضطراً إلى النزول برفقة زملائه من الشبان وفق عادة أسبوعية إلى محافظة المخواة (40 كيلو متراً عن الباحة) هرباً من صقيع البرد في مرتفعات منطقته، في الوقت الذي أصبح مسلكه لدى البعض أمراً شبه يومي. وقال ل «الحياة»: «اعتدت الذهاب إلى المخواة في كل مرة عصراً، والجلوس هناك حتى العشاء لا أتناول خلال هذه الفترة سوى العصيدة»، ملمحاً إلى أنه يقضي وأصدقاؤه أوقاتهم في الأودية المشتهرة بشجر الأراك و السدر خصوصاً أن الأمطار الأخيرة جعلت من أراضي تهامة ذات مناظر بهية. وفيما تمثل المخواة وجهة غالبية الشبان، تختار الكثير من الأسر قضاء إجازتها الأسبوعية بعيداً عن البرودة وقريباً من الأجواء البحرية. وكشف أحمد عبدالله استئجاره شقة في القنفذة خصيصاً للاستقرار فيها بصحبة عائلته في إجازة نهاية الأسبوع خلال فصل الشتاء، يشد رحاله إليها مع انبلاج فجر كل يوم خميس للتنزه في شاطئ القنفذة (80 كيلو متراً من الباحة). وبينما تشهد الباحة أجواء شديدة البرودة، تشهد على النقيض أسعار المأكولات الدسمة المعينة على مقاومته كالمندي والحنيذ والعصيدة سخونة تكوي جيوب المشترين، وغلاء يراه بعض الزبائن غير مبرر. وكتخفيف من حدة الحالين (برودة الأجواء، وحرارة الأسعار)، لجأ الكثير من اللاهثين خلف الدفء إلى مقاومة الأخيرة بإعداد ما يكفيهم من طعام واصطحابه معهم أو إعداده في مواقع جلساتهم التي ينتهون إليها، إذ يقول سعيد الرفاعي: «مثلما عرفنا كيف نهرب من شدة البرد، طبقنا ذات الحيلة على استغلال الناس لنا في شأن الطعام، خصوصاً أنني وأصدقائي من هواة إعداد الطعام في رحلاتنا بأنفسنا بدءاً من شراء الذبيحة من «سوق الثلثاء» في المخواة مروراً بذبحها ووصولاً إلى طبخها وتقديمها». وعلى رغم ما يجابهه وزملاءه من عناء، إلا أن هذا الأمر يقيهم (بحسب رأي الرفاعي) لهيب أسعار المطاعم المرتفعة فضلاً عن إدخاله السعادة في الوقت ذاته لقلوبهم. وعطفاً على المثل القائل: «مصائب قوم عند قوم فوائد»، شدد صاحب إحدى الاستراحات في المخواة (تحتفظ «الحياة» باسمها) خالد علي العمري أن فصل الشتاء الذي يتميز فيه المنخفض التهامي باعتدال أجوائه يمثل أفضل موسم سياحي لأصحاب الاستراحات والمطاعم والشقق المفروشة كافة طوال السنة. وأضاف: «نستعد منذ فترة لاستقبال زبائننا الباحثين عن المندي والعصيدة التي تشتهر بها تهامة منذ القدم، إذ يقبل سكان السراة عند حلول الشتاء على تناول العصيدة التي يبلغ ثمن الكليو منها (يكفي لأربعة أشخاص) 70 ريالاً، بينما يحتل المضغوط المرتبة الثانية وبالسعر ذاته».