على رغم مضيّ ثلاثين عاماً على رحيلها، تغيب داليدا ويبقى ما يدل عليها، ليس فقط أغنياتها وإنما ما كانت تملكه من ثياب وأشياء مختلفة. متحف قصر غالييرا، المخصص للموضة في العاصمة الفرنسية، فتح أبوابه لمعرض جديد بعنوان «فساتين داليدا، من المدينة الى خشبة المسرح». ومجموعة الفساتين المعروضة هي الهبة التي قدمها شقيقها أورلاندو الى المتحف وكان قد عمل سنوات طويلة مديراً فنياً لأعمالها. تكشف هذه المجموعة ذائقة المغنية العالمية التي كانت تهوى الأزياء وتعشق الأناقة. ولم تكن أسيرة طراز واحد بل تنوعت ملابسها واختلفت سنة بعد أخرى وعكست جرأة كبيرة في اختيارها وارتدائها، تماماً كما كانت جريئة في أغنياتها وتجربتها الفنية المتنوعة. من الفساتين المعروفة تحت اسم «نيولوك» في خمسينات القرن الماضي والتي تحمل توقيع جاك استيريل، الى فساتين أخرى من السبعينات والثمانينات لأبرز المصممين ومنها لإيف سان لوران واللبناني وليام خوري الذي صمم لها عباءة شرقية مزخرفة نشاهدها في المعرض. وكان الأخير قد اشتهر من خلال الأزياء التي أنجزها لنجمات كالمطربتين صباح وسميرة توفيق. ولا يفاجئ الزائر العربي أن تكون داليدا قد استعانت بمصمم لبناني ذائع الصيت، فهي المولودة في مصر وتتكلم العربية، ترددت مرات عديدة على هذا البلد وأحيت مطلع السبعينات قبل اندلاع الحرب الأهلية حفلتين غنائيتين على خشبة مسرح البيكاديلي في بيروت. نظرة سريعة الى هذه الفساتين ترينا حضور الأسلوب الكلاسيكي والأنيق الى جانب الأساليب التي تسترعي الدهشة وتخطف الأضواء، وهذا ما يختصر الى حد كبير مزاج المغنية المتحول نفسه. في الحياة اليومية كما على خشبات المسرح وعلى الشاشة الكبيرة، كانت داليدا دائمة الأناقة. ننظر الى هذه الفساتين التي أمامنا في المتحف اليوم ونسافر من خلالها في رحلة فنية غنية صنعت اسم داليدا ونشرته في العالم أجمع. من فوزها بمسابقة للجمال عام 1954 في القاهرة الى أغنية «بامبينو» التي فرضتها كمغنية عام 1958، الى الأفلام التي مثلتها ومنها فيلم «اليوم السادس» الذي قامت ببطولته عام 1986 قبل أشهر من وفاتها، وكان من إخراج المصري يوسف شاهين وظهرت فيه متشحة بالسواد. كل أنواع الثياب والأقمشة والجلد والألوان موجودة هنا، كأننا في معرض يعكس تاريخ الأزياء الحديثة وتطورها والأساليب التي تعاقبت فيها. وتذكرنا هذه الفساتين أيضاً بمسار عرفت داليدا بموهبتها كيف تجعله مساراً متميزاً، كما تذكرنا باختيارها كلمات المؤلفين الذين غنت لهم والتي تُظهر حساسيتها، بل أكثر من ذلك هشاشة وجودها ومشاعرها المفرطة. هكذا تتجلى أمامنا في المعرض أحلام الصبية الآتية من مصر والتي كانت تريد أن تصبح نجمة سينمائية يلمع بريقها على الشاشات الكبيرة في الصالات المظلمة. وكانت هذه الفساتين ليست فقط مرآة لنفسها بل أيضاً لمناخات الأغنيات التي أدتها. وكما هو معروف مثلت داليدا أكثر من عشرة أفلام طويلة، من أولها فيلم مع الراقصة المصرية سامية جمال بعنوان «سيجارة وكأس» عام 1954. وفي هذا الإطار، يختم «متحف غالييرا» المعرض في صالة مربعة تعرض للزائر على شاشة كبيرة مقتطفات من الأفلام التي شاركت فيها المغنية وبرزت فيها فساتينها المعروضة أمامنا، هذه الفساتين التي بقيت حاضرة بعد رحيلها انتحاراً والتي عرف شقيقها أورلاندو كيف يحافظ عليها فلم يفرط بها ولم يعرضها للبيع في مزادات. معرض «فساتين داليدا» في باريس هو مهرجان للعين وهو أيضاً بمثابة مذكرات داليدا ويومياتها وكأنها خطتها بيدها، وتروي قصة شابة إيطالية جاءت من مصر تحمل بيدها حقيبة الأحلام التي تجسدت وكرستها لاحقاً كواحدة من أكثر الفنانات شعبية في فرنسا والعالم.