بعد رواية «إيزابيل» التي نُشرت عقب وفاة كاتبها أنطونيو تابوكي (1943- 2012)، ونقلتها دار الساقي إلى اللغة العربية العام الماضي، صدرت أخيراً رواية «سراب» عن الدار نفسها بترجمة عربية أنجزها رضا المهايني، لتفتح نافذةً يطلّ من خلالها القارئ العربي على أعمال واحد من أشهر الكتّاب في الأدب الإيطالي الحديث. لا تختلف «سراب» في جوّها العام عن «إيزابيل» أو غيرها من أعمال تابوكي التي تمزج بين الواقع والمتخيّل بأسلوب لا يخلو من المتعة. فالكاتب الذي عاش في إيطاليا، تأثّر بما كان يسمعه ويراه ويقرأه في الصحف والمجلات، هكذا كان يستخلص من الواقع كل القصص ليصنع منها عوالمه الغرائبية. وقد عمد في معظم كتاباته إلى التماهي بين العالم الجواني الخاص والعالم الخارجي، ويمكن أن نلمس هنا تأثير فرناندو بيسوا عليه، على رغم اختلاف النمط الأدبي بينهما. فهو مترجم بيسوا إلى الإيطالية، علما أنّه تعلّم البرتغالية ودرّسها بعدما وقع تحت تأثير «معلّمه الأكبر» بيسوا. في «سراب» ثمة العوالم الغامضة ذاتها التي صادفناها في «ايزابيل». تنطلق الأحداث مع وصول جثّة مجهولة الهويّة إلى المشرحة جرّاء جريمة غامضة؛ لم يعرف أحد إلى من تعود الجثّة. لكنّ سبينو، العامل في المشرحة، يقرّر أن يتحرّى القضيّة، فيروح يبحث عن أدلّةٍ للغزٍ أشبه بالمتاهة، كلما أوشك أن يقبض على الحقيقة، أفلتت منه؛ من الحانات إلى أرصفة الموانئ، ومن مكاتب الصحيفة إلى المقابر، وفي مواعيد لا تكتمل، يتنقّل سبينو باحثاً عن هويّة الضحيّة وما خلف مقتله في دوّامة تشبه البحث عن معنى الحياة. البحث عن الحقيقة هي أيضاً تيمة ثابتة عند تابوكي، ويمكن وصفها بالمحرّك الثابت لأعماله. ولكن هل يمكن الوصول فعلاً إلى الحقيقة في هذا العالم؟ أنطونيو تابوكي كاتب وروائي إيطالي، ويعتبر أحد أبرز أصوات الأدب المعاصر في إيطاليا وأوروبا. حصد جوائز عدة أبرزها «جائزة جان مونّيه» الأوروبية عام 1995. تتسّم لغته بالهدوء وإن كانت عوالمه صاخبة ومثيرة.