الأوركسترا الفضائية السمفونية التي انهمكت في العزف على أوتار الحذاء الأشهر في التاريخ العربي الحديث لم تتوقف بعد. ومن العازفين من اختار أن يلتزم الحياد في تغطية الحدث «الحذائي»، وردود الفعل العربية والاقليمية والدولية من دون التورط في اعلان التضامن مع أي من الطرفين، قاذف الحذاء أم متلقيه. ومنهم من اتخذ من الحدث «خميرة» لمناقشة معايير التعبير عن الخلاف السياسي، وأخلاقيات المعارضة، ومعايير التغطية الإعلامية لمثل تلك الأحداث الجدلية، وأسرار النفس الإنسانية. آخرون قرروا استكمال العرض الشيق بمعزوفات منفردة، فسارعت فضائية مصرية خاصة الى عرض ما يشبه الفيديو كليب الشعري حيث يلقي الشاعر المصري الكبير عبدالرحمن الأبنودي قصيدة يهاجم فيها التسلط الأميركي والضعف العربي بينما تفنن المخرج في عرض مشهد إلقاء فردتي الحذاء مرة بالتصوير البطيء، ومرة بالسريع، وثالثة بالعكس، وهكذا. واختار عازفون أكثر دهاء التركيز على عرض ردود الفعل العربية المؤيدة لنهج الحذاء، فأخذ بعضهم يبث خبر اهداء الجائزة الإعلامية التي حازها الصحافي المصري مصطفى بكري لصاحب الحذاء العراقي تقديراً له على ما فعله غير مرة أثناء ساعات البث، مع التركيز في نشرات الأخبار على الوقفات التضامنية التي نظمتها هذه النقابة أو تلك الجماعة الحقوقية لدعم منتظر الزيدي ومناصرته. قسم آخر من عازفي الآلات الوترية الدقيقة لجأ الى مزيد من التخصص والدقة في تناول القضية، فأشار الى اختلاف الثقافات وتراوح المعاني والرموز من منطقة الى أخرى، فطائر البوم عند الغرب مثال للجمال والوداعة في حين يعتبره العرب نذير شؤم وابتلاء، ورقم 13 لدى دول غربية رقم متميز في حين يعتبره آخرون رقماً دالاً على النحس وسوء الحظ. تماماً مثل الحذاء الذي يعتبر في الثقافات الغربية مثله مثل الجاكيت أو القميص أو البنطال، في حين يعتبره العرب رمزاً للمهانة والذل والاحتقار. آخرون من المنتمين للقسم ذاته من الأوركسترا راح ينقب في أقسام الأرشيف المختلفة ليبحث عن الأحذية وال «شباشب» الأشهر في التاريخ ليخرج بأفلام وثائقية عن «قبقاب» شجرة الدر الشهير، وقصيدة «القطة ذات الحذاء» المأخوذة من الأدب الانكليزي، وحذاء مارادونا الشهير، مروراً بحادث التعدي على وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر في المسجد الأقصى قبل سنوات، ومشهد الأحذية المتلاحقة على تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، انتهاء بفردتي الحذاء اللتين كانتا من نصيب الرئيس بوش. وعلى سبيل التخصص، حرصت فضائيات غنائية على إبراز خبر مسارعة الفنان الشعبي شعبان عبدالرحيم الى اداء أغنية جديدة مواكبة للأحداث الحذائية تقول كلماتها: «تستاهل ألف جزمة على إللي أنت عملته فينا... إييييه». تجربة الحذاء العراقي الموجه الى الإدارة الأميركية أثبتت انها تجربة ثرية بالغة الفائدة. وكشفت عن القدرات الكبيرة لعدد كبير من الفضائيات، إضافة الى روح الإبداع والابتكار التي يتمتع بها العاملون فيها. ولكن، في حال تعرض شخصية عربية عامة - لا قدر الله - لحادث مشابه، هل كانت الفضائيات العربية ستظهر المقدار نفسه من الإبداع والابتكار والتميز في التحليلات الحذائية المتخصصة؟