خروجاً عن القاعدة التي ربطت المايسترو الموسيقي بعصاتين يوجه بهما اعضاء الفرقة الموسيقية فيرشدهم خلال العزف متى يبدأون وأين يتوقفون وكم حركة موسيقية يتبعون، كان المايسترو الموسيقي علي عثمان الحاج نموذجاً مميزاً تنازل عن تقليده الأهم في قيادة الأوركسترا على خشبة المسرح في مقابل القيام بجهد مضاعف في الكواليس لينتج موسيقى ساحرة ليس فقط لدقتها وروعتها والالتزام الحرفي بنوتاتها، لكن لخروجها من كفيفات لا يبصرن نوتة أو عصا، لكنهم يجيدون «هارموني» درّبهم عليه المايسترو الذي غيبه الموت منتصف شباط (فبراير) الماضي. وكرّمت أوركسترا النور والأمل الموسيقي التي تأسست عام 1954 من عازفات كفيفات، مسيرة الحاج التي امتدت 27 سنة مع الأوركسترا خلال أمسية نظمتها جمعية النور والأمل في مقرها بضاحية مصر الجديدة (شرق القاهرة)، عزفت خلالها الأوركسترا مقطوعات من تأليفه. وكان الحاج توفي في مشهد مؤثر خلال حفلة للفرقة في أحد فنادق القاهرة أصر على حضوره رغم مرضه. تدرج الحاج في جمعية النور والأمل من مدرس هارموني إلى مساعد للمايسترو الأول للأوركسترا أحمد أبو العيد حتى رحيل الأخير في عام 2005 فتولى الحاج قيادة الفرقة، فتنوعت معزوفاتها بين مقاطع كلاسيكية عالمية وأخرى من تأليفه، وذاعت شهرة الأوركسترا في عهده خارج مصر فجال في 30 زيارة لبلدان عدة حققت خلالها الفرقة نجاحات ملحوظة وتفوقت على فرق مبصرة ونالت جوائز عدة. بدأ الحاج مسيرته الموسيقية في السودان حيث ولد، عازفاً للدرامز والغيتار ضمن فرق عدة حتى أكمل دراسته الثانوية فالتحق بمعهد الكونسرفتوار في مصر عام 1979 واستقر بها حاصلاً على درجة البكالوريوس في التأليف والنظريات بدرجة إمتياز، ومن ثم الماجستير في عام 1990 عن رسالة بعنوان «الضروب الإيقاعية في غرب وشرق السودان دورها في تمييز الموسيقى في الأقليم». وفي عام 2009 نال الدكتوراه عن رسالته «الضروب الإيقاعية العربية ودورها في البناء اللحني في الموسيقى العربية التقليدية». اقترن الحاج بزميلته في الكونسرفتوار تحية عبدالسلام. ويعد الحاج من أهم الباحثين في الموسيقى، إذ تولى وآخرون بتكليف من وزارة الثقافة المصرية تأليف مجموعة كتب تحت عنوان «الموسيقى المصرية المعاصرة» بإشراف الدكتورة سميحة الخولي. وذاعت شهرته في الخارج فخصصت له الإذاعة السويسرية فقرة لمقطوعاته بالتزامن مع سفره إلى سويسرا في منحة دراسية مدة أربعة أشهر، كما سُجلت مقطوعاته ضمن برامج موسيقية في مصر وألمانيا، والولايات المتحدة. وفي عام 2012 اختير ضمن أعضاء لجنة تحكيم الوتريات والإيقاع والنفخ والبيانو في المسابقة العالمية «إنكور». ونعته رئيسة دار الأوبرا الدكتورة إيناس عبدالدايم، الذي عمل مشرفاً فنياً فيها بين عامي 2000 و2006 قائلة: «كان رمزاً للإنسانية والخير والشهامة والتفاني والإخلاص في العمل، وداعاً».