هي فرقة استثنائية، لا تشبه أي فرقة موسيقية أخرى. تتكوّن أوركسترا «النور والأمل» من 56 عازفة جميعهنّ كفيفات، وتقدّم مقطوعات كلاسيكية غربية وشرقية، لموتسارت وروسيني وشتراوس وبيزيه وكاميل سان سانز، إلى جانب معزوفات للسنباطي وأبو بكر خيرت وأحمد أبو العيد. في حفلة برلينية أحيتها الأوركسترا، جلست الفتيات والسيدات على المسرح بزي موحد، وكل عازفة كانت تتشبث بآلتها كأنها خلاصها في عالم غريب. الآلة، سواء كانت وترية كالكمان والتشيلو أو الكونترباص، أو آلة نفخ كالفلوت والأبوا، أو آلة إيقاع، تمنح صاحبتها ثباتاً وقوة. كل واحدة تعرف تماماً سر هذه الآلة، تعرف كيف تستنطقها. تأنس العازفة للآلة التي تمنحها ثقة. إنها رفيقتها في الحياة. أو على الأقل هذا ما يلاحظه المرء عندما ينظر إلى العازفات. ليس هناك نوتة موسيقية أو مايسترو. وفجأة يظهر قائد الأوركسترا بزيه التقليدي، ويعطي العازفات إشارة صوتية، فينطلقن في العزف، بينما يتنحى هو جانباً. دور المايسترو ينحصر في إعطاء إشارة البدء. بعد ذلك يختفي بالنسبة إلى العازفات اللواتي يبدأن عزف الموسيقى التي يرين نغماتها في مخيلاتهن. أُسست هذه الفرقة الموسيقية الفريدة عام 1981 بمبادرة جمعية «النور والأمل» التي أبصرت النور عام 1954... يمكن المرء أن يتخيل حال مصر بعد ثورة 1952، والشعور الذي اجتاح كثيرين، هو شعور بالانطلاقة والرغبة في بناء مجتمع إنساني جديد، يشارك فيه الجميع، ويكون للجميع دور فيه. تأسست الجمعية بمبادرة من السيدة استقلال راضي (مواليد 1938) التي رافقت الأوركسترا في برلين. كانت «النور والأمل» الجمعية الأولى في مصر والشرق الأوسط التي تهتم بشؤون الكفيفات وتعمل على تأهيلهن واندماجهن في المجتمع. في الحفلة التي أقيمت في برلين، عزفت الفرقة عشرين مقطوعة. وتعجب كثيرون ممن ملأوا قاعة «أورانيا» من انضباط العازفات وجَلَدهن. كم ساعة تدربن؟ بل كيف تدربن؟ كيف وصلن إلى هذا المستوى؟ نعم، أحياناً تلاحظ الأذن الخبيرة بالموسيقى بعض اهتزاز واضطراب، صوت آلة نفخ – مثلاً – وهو يطغى على بقية الآلات. ولكن الجمهور لم يتوقف أمام هذه الهنات، بل كان سخياً في الاحتفاء بالفتيات المصريات اللواتي لم يشعرن بأدنى هيبة وهن يعزفن في مهد من مهاد الموسيقى الكلاسيكية، في المنطقة التي أنجبت بيتهوفن وموتسارت وشوبرت وشومان وفاغنر وبرامز... بشجاعة دخلن عرين الأسد. كيف أتتهن الجرأة؟ ما يجدر تسجيله هو أن العازفات بغالبيتهن كن متجهمات، عابسات، حزينات، منكسرات النفس. حتى عندما يصفق الجمهور بحرارة بعد كل مقطوعة، تبقى الوجوه جامدة. وكأنهن لم يكتسبن بعد الثقة بالنفس، وكأنهن لم يتعلمن الافتخار بالذات وبالإنجاز. نظمت السفارة المصرية الحفلة البرلينية بمناسبة السادس من أكتوبر وللدعاية لمصر والترويج لشواطئها. هذه الدعاية – وأسبابها مفهومة – أتت مباشرة في البداية في صورة فيلم قصير يدعو إلى زيارة «المحروسة». غير أن الإعلان السياحي بقي معروضاً في شكل فج على شاشة في خلفية المسرح طوال الحفلة، وكأن العازفات مجرد «كومبارس» في عرض للتسويق السياحي.