استمرت معركة الشد والجذب بين القضاة وجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، ففيما أعلنت الرئاسة أنها سترعى مؤتمراً لشيوخ القضاة الأسبوع المقبل لمناقشة أزمة مشروع قانون السلطة القضائية، صعّد القضاة بجمعية عمومية طارئة لناديهم أمس شهدت انتقادات حادة للسلطة، وتحذيرات من تمرير مشروع القانون الذي يخفض سن تقاعد القضاة ويُطيح آلافاً من شيوخهم. وأقرت اللجنة التشريعية في مجلس الشورى الذي يتولى سلطة التشريع موقتاً من حيث المبدأ ثلاثة مشاريع قدمها نواب في أحزاب «الحرية والعدالة» الحاكم، الذراع السياسية ل «الإخوان»، و «الوسط» و «البناء والتنمية» الإسلاميين المتحالفين مع الحكم لإدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية. والمشاريع الثلاثة تُخفض سن تقاعد القضاة، وفق وكيل اللجنة التشريعية القيادي في «الإخوان» صبحي صالح الذي اعتبر أن خطوة اللجنة أمس لا تعني الشروع في تمرير مشروع القانون، موضحاً أن كل هذه الاقتراحات «لم تأخذ حتى صفة مشروع قانون». وقال ل «الحياة» إن «اللجنة أقرت فقط مبدأ المناقشة، ما يعني قبول مناقشة الاقتراح الذي سيُعرض على البرلمان بكامل هيئته فإن وافق على مناقشة الاقتراح اكتسب صفة مشروع قانون يُحال على اللجنة التشريعية لمناقشة بنوده». وأوضح أن «لا اختلافات جوهرية بين المشاريع الثلاثة، وكلها يخفض سن تقاعد القضاة، إلا أن أحدها يخفض السن إلى 64 عاماً فيما المشروعان الآخران يخفضانه إلى 60 عاماً». وأكد أن النائب عن حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، طاهر عبدالمحسن «قدم اقتراحاً شخصياً لا نيابة عن الحزب». وفي ما بدا أنه تنصل من اقتراح تخفيض سن تقاعد القضاة، اعتبر صالح أن قانون السلطة القضائية «ليس من ضمن أولويات الحزب في المرحلة الحالية... لو أن الأمر بيد الحزب كنا تناولنا الأمر في شكل مختلف وفي وقت مختلف»، لافتاً إلى أن «الحزب لديه تصور كامل لمشروع السلطة القضائية تم إعداده بالاتفاق مع القضاة أنفسهم في العام 2006، لكن لم نطرحه لأن الأمر ليس من بين أولوياتنا في هذه المرحلة». وقال إن «مقدمي الاقتراحات يرون أن الثورة من ضمن مبادئها العدالة في الوظائف سواء من حيث التعيين والأحقية والأولوية وحتى التقاعد والكل يجب أن يخضع لدستور الدولة». لكنه رأى أن خفض سن تقاعد القضاة لن يترتب عليه الإطاحة بأي قاض. وقال: «خفض السن لا يترتب عليه إحالة أي قاض على التقاعد، لأن تطبيق القانون في حال إقراره سيتم على من لم يتجاوز سن الستين، أما من تجاوزوا الستين فسيحالون على التقاعد عند السبعين لأنهم اكتسبوا مراكز قانونية مستقرة». واعتبر أن «الأزمة التي يفتعلها بعض القضاة سياسية، ولا علاقة لها بالقانون... الدستور أوجب أخذ رأي الهيئات القضائية، وبالتالي سنناقش القضاة حتماً ومن ثم فلماذا كل هذا السباب العلني؟ وحتى لو تم إقرار القانون، فإن كان معيباً أو باطلاً تُلغيه المحاكم... لا سبب لكل هذه الضجة إلا أن البعض يريد توظيف الأزمة سياسياً». وأشاد بدعوة الرئاسة إلى عقد مؤتمر قضائي الأسبوع المقبل. وقال إنها «دعوة ممتازة ونؤيدها». ورداً على سؤال عن إمكان تراجع مجلس الشورى عن قراراته في حال طلبت الرئاسة، قال صالح: «الشورى لم يتخذ أي قرارات أصلاً». وكان الناطق باسم الرئاسة إيهاب فهمي قال أمس إن الرئيس محمد مرسي دعا رؤساء الهيئات القضائية إلى لقاء موسع الأسبوع المقبل بهدف «احتواء أزمة تعديل قانون السلطة القضائية المطروح أمام مجلس الشورى»، مضيفاً أن «الرئاسة ترى أن الطبيعي عرض مشروع القانون على القضاة لأنه يتعلق بهم قبل إصداره ومن المهم أخذ ملاحظاتهم عليه». وأوضح أن «الرئاسة أجرت اتصالات برؤساء الهيئات القضائية خلال اليومين الماضيين للوقوف على أفضل السبل لعقد المؤتمر وأسفرت الاتصالات عن توافق في الرأي بحيث يكون اللقاء جامعاً لرموز القضاء». ورفض «الاستقواء بالخارج من قبل بعض القضاة»، في إشارة إلى تهديد رئيس نادي القضاة أحمد الزند بمقاضاة المسيئين إلى القضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وأكدت الرئاسة «حرصها على استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات». وقال فهمي إن مرسي «أكد خلال لقائه أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أن القضاء المصري شامخ بمختلف مؤسساته ورجاله الشرفاء، ويحظى باحترام الجميع، والرئيس حريص على احتواء أزمة قانون السلطة القضائية». وكان رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشورى القيادي في «الإخوان» محمد طوسون أكد أمام اجتماع اللجنة أمس أنه «لن يتم إجراء أي تعديلات على قانون السلطة القضائية إلا بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء والمجالس الخاصة للهيئات القضائية، ولابد من أن تصدر التشريعات الخاصة بالقضاء لتعطيهم مزيداً من الحصانات والاستقلالية». وطالب القضاة ب «أن ينأوا بأنفسهم عن العمل السياسي وأن يعلوا من القيم الدستورية التي تتحدث عن الفصل بين السلطات وألا يتدخلوا في أعمال السلطة التشريعية». وأضاف: «ليس بالسباب والشتائم يتم تطهير القضاء والجميع يدرك أن تطهير القضاء ينبع من داخله». واقترح نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» رئيس الهيئة البرلمانية للحزب عصام العريان مخاطبة المجلس الأعلى للقضاء لتقديم مشروع متكامل للسلطة القضائية، أو أن يقدم عن طريق رئيس الجمهورية. في المقابل، قال سكرتير عام نادي القضاة محمود الشريف ل «الحياة» إن مشروع القانون المطروح أمام مجلس الشورى «مشوب بالبطلان وعدم الدستورية لأنه قُدم خلافاً للطريق الذي ينص عليه الدستور». وأضاف أن «نواب الشورى يتعاملون مع الأمر على أنه شخصي، هم ليس من حقهم اقتراح مشاريع قوانين، فالدستور خص رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس النواب بهذه المهمة، وبالتالي كل ما يفعلونه أمر مشوب بالبطلان وعدم الدستورية». وشهدت الجمعية العمومية الطارئة للقضاة التي انتهت مساء أمس تضامناً شعبياً وسط حضور لافت من القضاة. كما عُقدت أمس جمعية عمومية طارئة لمستشاري مجلس الدولة انتهت إلى رفض خفض سن تقاعد القضاة. ودانت في بيان مشروع قانون السلطة القضائية، وقالت إنها ستظل في انعقاد دائم إلى حين سحب المشروع. وأكدت مخالفة مواد المشروع الخاصة بخفض سن تقاعد القضاة الدستور والقانون «لأن تطبيق القانون بأثر رجعي مخالف لأحكام المحكمة الدستورية العليا».