جسدت مراسم استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطار أنقرة لدى عودته من إسطنبول أمس، عزم حزب العدالة والتنمية الحاكم على تجاهل نتيجة الاستفتاء التي أعطته هامشاً ضيقاً من الفوز على معارضيه لم يتجاوز ال51.5 في المئة، وبالتالي إصرار معسكر الرئيس على إدارة ظهره لنسبة ال48 في المئة الباقين الذين صوتوا ب «لا» على مشروع التعديلات الدستورية للتحول إلى نظام رئاسي يمتلك فيه أردوغان سلطة مطلقة، يتوقع أن تبقيه في سدة الرئاسة لغاية عام 2029 على الأقل. وحرص أردوغان قبل مغادرته إسطنبول إلى أنقرة على مخاطبة مئات من أنصاره في أحد مساجد المدينة، وأبلغهم عزمه على الدعوة إلى استفتاء حول إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وإنهاء طلب تركيا الطويل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي كان دافعاً لسنوات من الإصلاحات. وفي ما بدا رداً غير مباشر على هذا الخطاب، أتى التعبير الأمثل عن الموقف الأوروبي في بيان مشترك للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل ووزير خارجيتها زيغمار غبرييل، اعتبرا فيه أن «نتيجة الاستفتاء المتقاربة تظهر عمق الانقسام في المجتمع التركي، ما يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق القيادة التركية، وخصوصاً الرئيس أردوغان». وأشار البيان إلى أنه بعد أخذ العلم بنتيجة الاستفتاء، فإن ألمانيا تتوقع من الحكومة التركية أن تجري «حواراً محترماً» مع كل أطياف المجتمع التركي. أتى ذلك في وقت أكدت المعارضة التركية تمسكها بالاعتراض على نتيجة الاستفتاء، واعتبر القيادي الكردي في حزب الشعوب الديموقراطية عثمان بايدمير أن الاستفتاء لم يحسم بعد ولا يتعين الأخذ بأي نتائج إلا بعد مراجعة طعون المعارضة من جانب اللجنة العليا للانتخابات. وأكد النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض بولنت تيزجان أن حزبه سيرفع دعوى في المحكمة الدستورية العليا، من أجل إلغاء نتيجة الاستفتاء. لكن الرئيس والحكومة اعتبرا أمر الاستفتاء محسوماً ولا مجال لمناقشته أو تغييره، بعدما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز مؤيدي التعديلات بفارق نحو مليون و300 ألف صوت عن معارضيها. وكانت لافتةً مسارعة أردوغان إلى تهنئة رئيس الوزراء بن علي يلدرم وحليفه القومي دولت باهشلي بالنصر قبل أن ينتهي الفرز. كما سارع أردوغان إلى جمع الحكومة في قصره لمناقشة تنفيذ التعديلات ال18 الواردة في الاستفتاء. وأعلنت الحكومة على الأثر تمديد حال الطوارئ ثلاثة أشهر أخرى، لتتم تركيا بذلك سنة كاملة تحت الأحكام الاستثنائية. وبدأت الاستعدادات في حزب العدالة والتنمية لدعوة أردوغان إلى تولي زعامته من جديد، الأمر الذي تعتبره المعارضة بمثابة قيام نظام الحزب الواحد الذي يسيطر على البرلمان والقضاء والسلطة التنفيذية. واتهمت المعارضة اللجنة العليا للانتخابات بانتهاك القانون من خلال قبولها بطاقات اقتراع غير ممهورة، بناءً على طلب حزب العدالة والتنمية الحاكم. ودافع رئيس اللجنة العليا سعدي غوفان عن قراره احتساب البطاقات غير الممهورة بالقول إن «هذا الأمر حدث قبل ذلك، ولا يعني أن البطاقات مزورة أو أتت من الخارج». لكن الأمثلة التي ساقها غوفان عن احتساب مثل تلك الأصوات غير الممهورة تعود لما قبل عام 2010، حين صدر قانون الانتخابات بصيغته الجديدة التي تمنع احتساب تلك الأصوات نهائياً. ونشرت لجنة المراقبين عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقريرها حول الاستفتاء، انتقدت فيه قرار اللجنة العليا للانتخابات، واعتبرت أن التصويت تم في ظروف «غير عادلة». واتخذ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند موقفاً مشابهاً لمركل، وقال: «يتوقف الأمر على الأتراك وحدهم لاتخاذ قرار في شأن كيفية تنظيم مؤسساتهم السياسية، لكن النتائج المنشورة تظهر أن المجتمع التركي منقسم في شأن الإصلاحات الواسعة المقررة». ورأى وزير الخارجية النمسوي سباستيان كورتس في ضوء نتيجة الاستفتاء استحالة في استئناف الاتحاد الأوروبي مفاوضات عضوية مع تركيا، داعياً بدل ذلك إلى «اتفاق شراكة». وفي واشنطن قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها أحيطت علما بالمخاوف التي أثارها مراقبون أوروبيون في شأن الاستفتاء التركي وتتطلع إلى تقرير نهائي مما يشير إلى أن الوزارة لن تصدر تعليقا قبل الانتهاء من تقويم شامل. وقال مارك تونر القائم بأعمال المتحدث باسم الوزارة في بيان «نتطلع إلى التقرير النهائي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا... والذي ندرك أنه سيستغرق أسابيع».