احيت الطوائف المسيحية في لبنان امس، بالفصح المجيد، وأقيمت القداديس في مختلف المناطق اللبنانية، وألقيت العظات في الكنائس، وركزت على معاني الفصح ورجاء القيامة، وتمنت ان «تعم المحبة والسلام العالم وأن يصل لبنان الى بر الأمان وهو يعيش وسط محيط ملتهب». وكانت المناسبة ايضاً فرصة لإطلاق مواقف سياسية، وانتقادات للفساد وسوء الإدارة. وفي بكركي ترأس البطريرك الماروني بشارة الراعي قداس الفصح، في حضور رئيس الجمهورية ميشال عون وعدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين والسفير البابوي المونسينيور غبريال كاتشيا والكاردينال نصرالله صفير وفاعليات روحية وسياسية وقضائية واقتصادية واجتماعية ورجال دين وحشد من المؤمنين. وكان الراعي استقبل عون وزوجته ناديا الشامي عند المدخل الخارجي مرحباً، ولفت الى «الارتياح الكبير الذي سجلته مبادرة رئيس الجمهورية القاضية بتأجيل انعقاد المجلس النيابي مدة شهر»، معتبراً أنها «حمت لبنان واللبنانيين من شر الفتنة وشبح الحرب الأهلية». وقال: «لولا هذا القرار لما كنا نعيد اليوم بفرح وسلام وراحة بال». بعد ذلك، توجه عون والراعي الى مكتب البطريرك حيث عقدا خلوة استمرت نحو عشرين دقيقة، وبعدها، عايد رئيس الجمهورية الصحافيين واللبنانيين بالفصح، وقال: «في هذا اليوم المجيد أتوجه الى جميع اللبنانيين وأتمنى لهم عيداً سعيداً. كما انني أتوجه الى مسيحيي المشرق، وأطلب منهم أن يحتفلوا بالعيد على رغم الحزن الذي اصاب جميع المسيحيين في هذه المناسبة». وأضاف: «نأمل للبنانيين، وخلال المراحل الآتية، بأن يكونوا مطمئنين للمستقبل، وأن يكون لبنان مستقراً ويعود لموقعه الأساسي ويبقى واجهة الشرق وحاملاً رسالة السلام. تلك هي مهمته الأساسية. إن لبنان، كما قال البابا القديس بولس الثاني هو رسالة. رسالة سلام مثل رسالة حمامة نوح التي بشرت العالم بعودة الحياة الطبيعية الى الأًرض». ورداً على سؤال طمأن عون اللبنانيين الى أنه «سيكون هناك قانون جديد للانتخابات النيابية». ثم انتقل عون الى كنيسة القيامة في بكركي حيث ألقى الراعي عظة رحب في مستهلها بعون، وقال: «أنتم صاحب المسؤولية الأولى والعليا في الدولة والجمهورية والأمة، وقد حلفتم يمين الإخلاص لهذه الثلاث المصانة من الدستور، وفعلتم ذلك باسمكم الشخصي وباسم كل اللبنانيين. وإنكم تجدون بكل أسف من يستخف بالدولة، ويجهل الجمهورية، ويشكك بالأمة، ويعطي ولاءه لغيرها. هي مسؤوليتكم أملت عليكم اتخاذ المبادرة الدستورية، فقررتم بحكم المادة 59 من الدستور تأجيل انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر، فيما كانت الأمور تتجه نحو مواجهات في الشارع بين مؤيد للتمديد ورافض له. وكانت البلاد كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح والأمواج العاصفة، واللبنانيون يحبسون أنفاسهم خائفين من مغبة ما يمكن أن يحصل من شر عارم، فكان قراركم الحكيم القاطع قرار ربان مدرك ومسؤول، وسكنت الريح، وكان الهدوء العظيم، واستطاع اللبنانيون أن يحيوا بفرح الأعياد الفصحية». وأضاف: «لقد صلينا ونصلي كي تتكل الكتل السياسية والنيابية والحكومية على عناية الله وقوة المسيح القائم، وتدحرج خلال فترة الشهر الحاسمة، الحجر عن «القبر» المحبوس فيه منذ سنوات قانون الانتخابات الجديد المرجو انبعاثه. فدحرجة الحجر تفتح أبواب الفرح والسعادة لجميع المواطنين. أما الإمعان في عدم الإفراج عن قانون جديد فيزيد من خيبات الأمل عند الشعب اللبناني». وتوجه الراعي الى عون قائلاً: «في خطابَي القسم والاستقلال زرعتم في قلوب اللبنانيين الأمل بمستقبل أفضل قائم على المبادئ الوطنية غير الطائفية أو المذهبية الكفيلة بحماية السيادة والاستقلال وتعزز الوحدة الداخلية، أرضاً وشعباً ومؤسسات. ونقول معكم إنه يوجد قبور كثيرة عندنا في حاجة إلى دحرجة الحجارة عنها، بدءًا بالفساد الضارب في الأخلاق والسياسة والإدارة والقضاء والأمن. وثقل الحجر يتأتى من مسؤولين سياسيين يحمون الفساد لكونه مصدر تمويلهم غير الشرعي، مكافحة الفساد والرشوة معركة ضروس ضد المفسدين والراشين. ولكن من أسباب الفساد المشجعة له، الأجور التي هي دون القدرة الشرائية والحاجات الحياتية، ما يستدعي معالجتها بالنهوض الاقتصادي». وأضاف: «لقد تسلم جيلنا لبنان ذخرًا وحضارة ودوراً ورسالة ومكان راحة وطمأنينة فلا يمكن أن ندعه عرضة للفساد. حجر كبير آخر تجب دحرجته، هو معاناة الناس من الأزمة الاقتصادية وضآلة فرص العمل. إن 32 في المئة من الشعب اللبناني هم تحت مستوى الفقر وفق دراسة البنك الدولي. وقد تفاقمت هذه الحالة بسبب النازحين السوريين سواء بمنافستهم غير الشرعية في سوق العمل أم باتساع العمالة غير النظامية، أم بخفض مستويات الأجور وأثمان السلع. فارتفعت نسبة البطالة بخاصة عند الشباب حتى بلغت 31 في المئة. هذا بالإضافة إلى ما يعانيه شعبنا من التداعيات الهائلة على الخدمات العامة». ولفت الى «ان موضوع النازحين حجر كبير أيضاً على المستوى الأمني والثقافي والسياسي، فيجب دحرجته بالتعاون مع الأسرة الدولية المعنية مباشرة بالحرب في سورية. وفيما نعلن تضامننا الإنساني الكبير مع السوريين النازحين المنكوبين، فإننا نطالب، من أجل استعادة حقوقهم، بأن يصار إلى نقلهم إلى أماكن آمنة على الأراضي السورية التي تفوق تلك اللبنانية مساحة بثماني عشرة مرة، وبأن تنقل إليهم مباشرة كل المساعدات، لتمكينهم من العودة إلى بيوتهم وأملاكهم في الأماكن الخارجة عن نطاق الحرب ولاستصلاحها. وما نقوله عن السوريين نقوله أيضاً عن النازحين العراقيين. وفي كل حال يجب على الأسرة الدولية أن توقف الحرب في سورية والعراق، وتوجد حلولاً سلمية، وترسي أساسات سلام عادل وشامل ودائم، وأن تكون جدية في مكافحة المنظمات الإرهابية وتعطيل عملياتها». وأوضح الراعي: «لقد أثرت هذه المواضيع، لأن الحجر الذي دحرج عن قبر المسيح ليس محصوراً في المكان والزمان. ولكنه أضحى مسؤولية مشتركة في كل جيل لدحرجة كل حجر عن أي قبر يأسر في داخله الإنسان، فرداً كان أم جماعة، وأيًا تكن طبيعة القبر والضحايا التي في داخله. فثمة ضحايا الخطيئة والشر، وضحايا الظلم والاستبداد، وضحايا الجوع والفقر والحرمان، وضحايا الكذب والعنف قتلاً وتهجيراً واعتداء، وضحايا أقبية التعذيب وسوء المعاملة في السجون، وضحايا المرض والإعاقة والاحتياجات الخاصة، وضحايا الفساد والرشوة وخسارة حقوقهم، ضحايا الدعارة والمخدرات والتحرش بالصغار والاتجار بالبشر. ولا تنتهي سلسلة القبور». وقال: «فكما المسؤولون، في الدولة والمجتمع والكنيسة، مدعوون للذهاب إلى العمق، وعدم التلهي أشهرًا وسنوات، في المماحكات والمجادلات وإهمال كل هذه الحالات المؤلمة. ففي مقدور ذوي الإرادات الحسنة، وأنتم اليوم على رأسهم يا فخامة الرئيس، دحرجة العديد من حجارة هذه القبور لتحقيق هذه القيامات». وفي الختام توجه الرئيس عون وعقيلته بصحبة البطريرك الراعي والكاردينال صفير والسفير البابوي والأساقفة الى صالون الصرح حيث تقبلوا التهاني بالعيد.