في شارع قصر العيني بجوار مقرَّيْ الحكومة والبرلمان المصريين يظهر حشد من بعيد، لا يرفع لافتات احتجاج ولا تطوّقه الشرطة، هو جمهور «مسرح السلام» الذي ظل لسنوات مهجوراً إلى أن افتُتح الشهر الماضي، بعد تطوير لافت، بالعرض المسرحي «قواعد العشق الأربعون» المأخوذ عن رواية الكاتبة التركية إليف شفق، بعدما أضفى عليها فريق المسرح «نكهة شرقية» بادية في أشعار جلال الدين الرومي ومأثورات شمس الدين التبريزي. نص شفق، التي اقتحمت كتاباتها دوماً محظورات حتى بالنسبة إلى بلدها كما في روايتها «لقيطة اسطنبول» التي عرَّجت على قضية «الأرمن» ولوحقت قضائياً بسببها، مثَّل «مأزقاً» لمخرج المسرحية عادل حسَّان، لما ناله من شهرة واسعة في الشرق والغرب ولدى القراء في مصر، و «فرصة» لكونه لمسَ جوهر الرسالة التي يريد إيصالها: «ما أحوجَنا إلى تغليب قيم الحب والتسامح، ومقاومة الوصاية الفكرية ووصاية (تيارات) دينية». الخلاف السياسي بين القاهرة وأنقرة (تبادلتا طرد السفيرين في أواخر 2013)، لم يعُق مسرحة رواية شفق، من خلال مؤسسة رسمية تابعة لوزارة الثقافة ممثّلة في البيت الفني للمسرح. وقال حسَّان: «تعاملتُ مع النص كعمل أدبي بحت، ولم أنشغل بأي خلفيات سياسية». وقد عكَفَت على كتابة المسرحية ورشة عملت لأكثر من عامين، وسعت قدر الإمكان «ألّا يكون العرض نسخة مكرّرة من الرواية الأصلية»، بحسب مشرفة الورشة الكاتبة رشا عبدالمنعم، فخالف العرض الرواية في الاهتمام بالعلاقة الخاصة بين الرومي والتبريزي، وما اكتنفها من حب ونقاء، على حساب الشخصيات المعاصرة في نص شفق. واعتبر حسَّان أن العالم المعاصر وشخصياته في رواية «قواعد العشق الأربعون» (الكاتبة إيلا روبنشتاين وعائلتها ومحيطها) «يمثله الجمهور في المسرحية، والقضية الآنية التي تطرحها ونعيشها جميعاً، لجهة الوصاية الفكرية ولفظ الاجتهاد والصراعات المذهبية والثقافية». وقد نال شِعر الرومي والتبريزي إعجاب الجمهور الذي اكتظت به قاعة المسرح، فتمايَل بعضُه طرباً، وزاد النقاءَ الروحاني أداءُ فرقة «المولوية» لرقصات صوفية، وظَّفها المخرج في إحداث «نقلات ناعمة» من مشهد إلى آخر ضمن عمل متصل هو أقرب إلى دراما سينمائية، فلم يُسدل الستار طوال ساعتي العرض، ولو حتى لتغيير الديكورات، إذ خُصّصت خلفية خشبة المسرح لحجرات قُسمت على طبقتين، تابَعَ الجمهورُ عبرَها بشغفٍ الانتقالَ مِن حدثٍ إلى آخر، في رحلة التبريزي وقواعد عشقه الأربعين، حتى بدا الجمهور نفسه مشاركاً في «رقصة الدراويش» التي ابتدعها الرومي بإلهام من رفيقه. ولعبت تقنيات الإضاءة دوراً بارزاً في إظهار خشبة المسرح كما اللوحة مكتملة الأركان. الإقبال على عرض «قواعد العشق الأربعون» يُرجح أن الحركة المسرحية في مصر ذاهبة إلى رواج بعد «سنوات عجاف»، لكن اللافت أن العروض التراثية والشعرية تُحقّق نسب مشاهدة عالية، في وقت يشتكي معنيون تصدّر ما اصطلح على تسميته «الفن الهابط». وبدأت الحركة المسرحية تدبّ في قلب ميدان العتبة، في وسط القاهرة، بعد إعادة افتتاح «درة مسارح مصر»: المسرح القومي، الذي ظل مغلقاً سبع سنوات بسبب احتراقه، وفُتح للجمهور في نهاية عام 2015، بعرض «ليلة من ألف ليلة» لشاعر العامية بيرم التونسي. وقال مدير المسرح يوسف إسماعيل ل «الحياة»: «المسرحية تستعد لجولة في دول عربية بعد عيد الفطر، لتُعرض مجدداً في موسم ثالث بهدف تصويرها تلفزيونياً». والآن، يرفع المسرح في الغالب لافتة «كامل العدد» في عرض «المحاكمة» المأخوذ عن نص «ميراث الريح» للأميركيين جيروم لورانس وروبرت لي. وقال إسماعيل: «اكتشفنا أن الجمهور ظُلم. تلك العروض الرصينة نالت إقبالاً غير متوقّع». وأشار إلى أن الإقبال على العروض القيّمة، دفع للتعاقد مع نجوم كبار لكتابة نصوص جديدة، أولها مسرحية «هولاكو» التي ستعرض السنة الجارية، من تأليف الشاعر فاروق جويدة، وسيخرجها جلال الشرقاوي.