يهز كتفيه لإبراز شرايينه التي تصلبت بفعل التمارين الرياضية الشاقة التي يمر بها في فريق الكاراتيه، فتشعر بأنك تنظر إلى زندي رجل ولكن من القياس الصغير، يهزهما حمزة (15 عاماً) كتفيه مجدداً، من أجل تأكيد «عضلاته». حين يبدأ حمزة بالحديث عن فريقه تومض عيناه، كما لو كان رجلاً، لكن هذا الوميض لا يخفي براءة الأطفال المرتسمة على وجنتيه. كان في السابعة يوم أثارت إعجابه رياضة الكاراتيه وشدّته. حاول والده «الشيخ» ثنيه عن التفكير في الموضوع، لصغر سنه أولاً، ولما تحمله هذه الرياضة من سمات عنف. وإزاء تخوف الوالد من تأثير هذه الرياضة على تربية ابنه، أصر حمزة على رأيه، وفي غياب نوادي رسمية تلبي رغباته لجأ الى خاله، مدرب الكاراتيه في احد النوادي الخاصة، وطلب إليه ضمه الى فريقه. وحين اكتشف الوالد الأمر كان الوقت متأخراً، كما يقول حمزة وهو يرسم ابتسامة «انتصار» عريضة على وجهه. «كنت قد تجاوزت السنة الأولى من التدريب حين علم والدي بالأمر من خالي الذي أخفيت عنه رفض والدي لمشاركتي في التدريب. ففي نهاية السنة تقرر إقامة حفل تخريج للدفعة الأولى من فريق الصغار، وكنت من بينهم، ووجه خالي دعوات الى أهالي الأعضاء، ومن بينهم والدي لحضور الحفل. ما زلت اذكر ذلك اليوم حين عدت من المدرسة وكان والدي ينتظرني لتأنيبي على عدم الاستماع الى مشورته وخروجي عن طاعته. ولكن والدتي وقفت الى جانبي، فتقبل الأمر على مضض وسمح لي بمواصلة التدريب، لكن ليس قبل أن يسرد علي سلسلة طويلة من التحذيرات والوصايا». حمزة يحمل اليوم حزاماً اسود، وشارك في بطولات محلية عدة، حاز خلالها على عدد من الكؤوس والميداليات التي يحتفظ بها على طاولته، كما لو كانت كنزا ذهبيا، وحين يتحدث عنها يداعبها بأصابعه، ويحلم بأن يضم إليها ميداليات وكؤوسا دولية. بعد أسبوعين سيشارك حمزة في لقاء يعتبره تاريخياً. إذ سيحضر الى البلاد احد المدربين العالميين لرياضة الكاراتيه لمشاهدة اللقاء بين نخبة من حاملي الأحزمة السوداء. «التقاء هذا المدرب يشكل مفصلا بالنسبة للكثيرين منا»، يقول حمزة. ويوضح: «لأنه يمكن أن يشكل فاتحة أمامنا الى العالمية». مدربو رياضة الكاراتيه في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل يعرفون المصاعب التي تقف في طريقهم الى النجومية والدولية، فالمؤسسات المدعومة رسمياً في هذا المجال تكاد تغيب عن المجتمع الفلسطيني، وغالبية الميزانيات والموارد التي تصرفها وزارة الرياضة تكرس لدعم فرق كرة القدم، وإذا ما تم تحرير ميزانيات لفروع رياضية أخرى فإن غالبيتها يحول الى النوادي اليهودية، فيما لا تحصل النوادي العربية إلا على الفتات، كما يقول احد المدربين الذي اضطر في سبيل تطوير قدراته الرياضية الى الالتحاق بناد في إحدى المدن اليهودية المجاورة. في الكاراتيه هناك اختلاف في وجهات النظر، يقول المدرب رياض حسنين، من شفاعمرو الذي كان احد المبادرين الى لقاء تم قبل شهر بين لاعبين من مختلف الأندية التابعة لمنظمة الكاراتيه، مع دومينين شوتوكان في إسرائيل: «حتى في الكاراتيه هناك نقاش وحركات جديدة، وهذا اللقاء هدف الى تقريب وجهات النظر بالإضافة للتعرف على قدرات الآخرين والاستمرار في التطور نحو مستوى أفضل». ويجمع المدربون على أن لا خطورة في رياضة الكاراتيه «طالما يتقيد الطالب بتعليمات المدرب». ويؤكدون أنها رياضة تفيد الجسم والعقل على حد سواء ولها دور مهم في تكوين الشخصية والثقة بالنفس واحترام الآخرين والتواضع». ويرفضون فكرة أن تكون هذه الرياضة مشجعة على العنف، إذ أنهم يعتبرون أنها رياضة «تهذب الروح وتبعد ممارسها عن العنف والتوتر وتبني إنساناً رياضياً واثقاً من نفسه يحب مجتمعه ويخدمه».