الاثنين 6/12/2010: وعد هبة أرضنا القديمة تلك الثمار البرية حيث ظلال الأجداد حدود للحكاية، نحكي ثم نصمت عند النهايات المفروضة فليس المطلق لنا، هو للسماء ولا وعد. تلك الثمار في يومياتك حين كان زهو الحقول وقبل الثلج. ولن تكون لك إذ كان عليك الانتظار. آثرت الطيران الى العالم القاسي حيث لا هناءة إلاّ خلف النافذة، وأنت في الدفء بديلاً لرحم أمك ووعداً بولادة في عالم أبعد. الثلثاء 7/12/2010: أوشفيتز معمماً إذا كانت مؤسسات أوروبية وأميركية تحرص على تجديد المعرفة بالهولوكوست لإحياء الشعور بالإثم تجاه ضحايا الاستبداد النازي، فهذا يعني البقاء في صفحة واحدة من التاريخ وتعذّر المصالحة وإن توحدت مصالح الأعداء فصاروا أصدقاء. تجديد الشعور بالإثم تفيد منه إسرائيل، خصوصاً الجهات اليمينية المتطرفة في السلطة والمجتمع، ويؤدي الى أن تكون هي «دولة أوشفيتز»، لا دولة مواطنيها. وما إعلان يهودية الدولة سوى نتيجة لإحياءات حمامات الدم والمحارق. لن تتوقف «دولة أوشفيتز» عند حدود، فلكل شعب أوشفيتزه، خصوصاً الشعب الفلسطيني الذي عرض شيئاً من النسيان في مقابل دولة على ما تبقى من أرضه التاريخية. ماذا لو أصر الفلسطينيون على إنشاء «دولة أوشفيتز فلسطينية» من النهر الى البحر؟ سؤال يوجه الى مؤسسات عالمية، من بينها «قوة المهمات الخاصة الدولية للتعاون حول التربية المتعلقة بالمحرقة وتخليد الذكرى والأبحاث» التي تحتفل في حيفا في الذكرى السنوية لتأسيسها. الأربعاء 8/12/2010: المعرض عرب كثيرون، ولبنانيون أقل من المعتاد، في معرض بيروت للكتاب، أتوا الى عاصمتهم الثقافية يتصفحون كتبها ويرون مبدعيها ويتنفسون في أرجائها كأنما يكتشفون حقيقتهم التي طالما غلّفتها المواضعات التي تكنّي ولا تعبر. بيروت تخفي مأزقها السياسي (لطالما كان وتكرر) وترفع كتابها باليمين وباليسار، الكتاب الذي يعبّر عنها ويظهر ما استبطن من ماضيها ويحاول استكناه المستقبل من احتمالات مفتوحة على رياح الدنيا. الكتب في معرضها تقدم نوعاً من الرضى، هي التي تلعب في الأزمنة تعطينا القوة على مواجهة رياح زمننا. ولكن، ماذا عن مؤلفي هذه الكتب الأحياء؟ تراهم في أجنحة المعرض يوقّعونها للرواد الراغبين، وتعجب كيف أن الذين يملكون القليل يبنون الكثير لبلادهم. وتمعن في التأمل متسائلاً: كيف يستطيع هؤلاء توزيع وقتهم بين عمل يقيم بأودهم وقراءة لا بد منها لأبرز أعمال الفكر والأدب وكتابة لا بد من إيجاد جو مؤاتٍ لتحققها؟ تقول إن يوم هؤلاء ينبغي أن يختلف عن أيام الناس العاديين، أن يكون أكثر من 24 ساعة. وتعجب مرة ثانية وتقول إن هؤلاء منذورون لعملهم، لا يأتيهم شيء من متاع الدنيا أو يأتيهم القليل. الخميس 9/12/2010: المقاومة والثقافة «هجاء السلاح - المقاومات كحروب أهلية مقنّعة» كتاب جديد للزميل حازم صاغية (عن دار الساقي في لندنوبيروت) يأتي في وقته، أي في لحظة الحرج للبنان ولمقاومة «حزب الله». لست في وارد الإشارة الى مادة الكتاب الغنية، ومنها أن المقاومة جمعت قيمة حركة التحرر الوطني مع قيمة الشرف والكرامة، لكنها مالت الى القيمة الثانية وأدت الى تجاوز تجربة الدولة الحديثة، بل عرقلتها عملياً لمصلحة استبداد موعود قبل التحرير ومتحقق بعده. ومن خلال فصول الكتاب الستة (صناعة المقاومة الفرنسية - مقاومات المقاومة الجزائرية - معادل الحرب الأهلية في إرلندا - حروب الأهل في أوروبا الجنوبية - أي انتصارات في جنوب شرق آسيا؟ - المقاومة كنقيض للشرعية في أفريقيا) يقدم صاغية قراءة لمسار المقاومة المؤدي الى طريق مسدود وشروخ مجتمع. يأتي الكتاب في وقته على رغم عدم تطرقه مباشرة الى مقاومة «حزب الله»، هي التي تهمنا حتى في الجو السياسي المنذر بالسوء، ومن وجوه الاهتمام: 1 - مقاومة «حزب الله» أعقبت مقاومات فلسطينية ولبنانية لم تكن ناجحة لأسباب ذاتية وموضوعية تتصل بتحالفاتها وصراعاتها. 2 - نجحت تلك المقاومة في جعل الاحتلال الإسرائيلي مكلفاً فانكفأ في أيار (مايو) 2000. 3 - لم تقف المقاومة عند الانكفاء/ التحرير وقفة تأمل في الأرض التي تقف عليها والوطن الذي تنتمي إليه. فمع الانسحاب الإسرائيلي، وعلى رغم بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال (منذ العام 1967)، كان أمام المقاومة فرصة اتفاق لبناني على استراتيجية دفاعية تكون المقاومة جزءاً منها ويكون قرار الحرب والسلم في يد هيئة حكومية عليا للدفاع. ما منع هذا الخيار جملة عناصر ذاتية وموضوعية تتصل بحلفاء المقاومة. هكذا لم يفرح اللبنانيون، خصوصاً أهل الجنوب، بتحرير أرضهم الفرحة الكاملة لأن تلك الأرض بقيت موقوفة على المقاومة التي تطرح شعارات شبه أبدية، من استكمال التحرير الى نهاية الصراع العربي - الإسرائيلي. 4 - على الصعيد الثقافي، ومع التقدير لإشارة حازم صاغية الى أن الشعر يعبر عن المقاومة أكثر مما تعبر الرواية، وبما يتعدى التعبير الأدبي نفسه، فإن أيديولوجيا مقاومة «حزب الله» هي إسلامية شيعية يستند إليها المقاومون بتسليم تام ومن دون أي شك، وهي بذلك تناقض المسار الثقافي في لبنان القائم على حرية الأفكار وتنوعها وإمكانية الشك فيها، تناقضاً يجعل المقاومين ومؤيديهم منكفئين عن المجتمع اللبناني، فيشكلون عبئاً على البيئات القريبة منهم. أليس لافتاً أن الأجيال التي نمت وترعرعت في ظل هذه المقاومة لم تقدم أدباً حديثاً كمثل الذي قدمت وتقدم أجيال اندرجت في السياق اللبناني العام وعبّرت عنه؟ وعلى صعيد عام، كم من اللبنانيين يرضى بأن يربح المقاومة ويخسر لبنان؟ يبدو أن الأمور آيلة - مع الأسف - الى هذا الخيار، وإسرائيل سعيدة خلف حدودها. الجمعة 10/12/2010:الايطالي أكثر الترجمات عن الإيطالية قصة ورواية، والشعر قليل. لكن سارة صفير نقلت أخيراً قصائد لغويدو أولداني نشرتها مع الأصل الإيطالي في كتاب عنوانه «جبالة الإسمنت» عن دار نلسن في السويد ولبنان، وقدم له الشاعر فؤاد رفقة. يرى رفقة أن لغة أولداني قريبة الى لغة دانتي في «الكوميديا الإلهية»، فهي مباشرة وقاسية «كأنها لغة بدائية من مقلع بكر في الحياة، لغة الحياة العارية، لغتها حتى العظم والنخاع والشرايين». ويعتبر الشاعر «جبالة الإسمنت» اساس الحضارة الغربية الحديثة، إنها «الإله الأب». فكما أن الإله منبع التكوين، هكذا هي «الجبالة». إنها «تُبدع» مادة للتكوين، ومن هذه المادة ترتفع البنايات، تتلاحم وتكتظ كأدغال غير موطوءة، منها ترتفع الدواخين والمخابر وأنابيب اللهيب والبخار، ومنها تنقلب الأشياء «رأساً على عقب»، كما يذكر الشاعر في قصيدته «ميلانو»: تنقل الشاحنةُ الحصى ينقلب وطني رأساً على عقب ليُفرغ الملايين من الناس في ميلانو، ونمتزج سوياً كالبيض (...) وهكذا من «الجبالة» تفيض المدن، تتوسع، وتبتلع الشجر والأنهار والجبال والفصول والطبيعة وكائناتها. فلا فضاء لطائر، ولا نهر لوعلٍ شارد، ولا جبل لعاشق الجبال، ولا فصول لشاعر، ولا طبيعة يحتمي في ظلها الإنسان من عَرَق النهار. في هذا الإطار يحنّ الشاعر الى نهر «اللمبرو» الذي كان حياً قبل أن تجتاحه المدينة: ها هو نهر اللمبرو الخالي من التماسيح حيث كنت أغطس بهدوء، على سطح مائه كنت أسير».