على رغم عدم إعلان مفوضية الانتخابات العراقية نتائج الإنتخابات التي جرت في 30 الشهر الماضي، فإن ما يتسرب منها يشير إلى خريطة سياسية تبدو فيها الاطراف السنية والشيعية والكردية منقسمة بشكل حاد، وعلى وشك التصادم خلال مرحلة تشكيل الحكومة. من اقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها بدأت الارقام تشير الى تقدم حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني على قائمة «التغيير» التي ربحت في معقل الحزب في السليمانية، وخسرت في كركوك وديالى وصلاح الدين. وتشير التقديرات الاولية إلى ان «الحزب الديموقراطي»، بزعامة مسعود بارزاني فاز ب 28 مقعداً، مقابل 17 لحزب طالباني، و10 للتغيير، ما يجعل المحادثات لتوحيد الموقف الكردي من حكومة بغداد المقبلة او ولاية المالكي الثالثة، امراً في غاية التعقيد، خصوصاً في ظل عدم الاتفاق على توزيع المناصب في حكومة الاقليم. وفي الخريطة السنية، يصبح تقدم «متحدون» ، بزعامة اسامة النجيفي الذي يحتل نصف المقاعد المخصصة للسنة امراً واقعاً، مع منافسة من كتلة اياد علاوي، وتراجع لكتلة صالح المطلك. واللافت في الموقف السني ان هذه الخريطة انتخابية اكثر منها سياسية، فقائمتا النجيفي وعلاوي تضمان شخصيات ومجموعات، اكثر قبولاً لفكرة الولاية الثالثة من الزعيمين، ما يفتح السيناريوات لاعادة تفكك وتشكيل التكتلات السنية مع بدء المفاوضات لتشكيل الحكومة. الساحة الشيعية اكثر تعقيداً من سواها، خصوصاً انها صاحبة القرار الاساسي في شكل الحكومة. يذكر ان الاتفاق الشيعي – الشيعي في عام 2010، ينص على ان تكون الكتلة الاكبر داخل «التحالف الوطني» صاحبة الحق في تقديم رئيس الوزراء على ان تلتزم الكتل الاصغر القرار. لكن هذا الاتفاق لا يبدو متاحاً تماماً اليوم، فمؤشرات التصويت تؤكد ان إئتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي تراجع عن الارقام التي تم تسريبها اول من امس الى وسائل الاعلام ، وكانت تشير الى احتمال فوزه والمتحالفين معه في قوائم اخرى ب 100 مقعد، مقابل تشكل مسار شيعي مواز بات يمتلك حظوظاً قريبة من حظوظ المالكي برلمانياً. وما يمكن ان يزيد ازمة تشكيل الحكومة تعقيداً ان البيئة السياسية الشيعية لا تتكون من احزاب بل من اصطفاف مجموعات من الاحزاب والشخصيات، ما يجعل الاستقطاب المتبادل بين المالكي ومنافسيه متاحاً، خلال المرحلة المقبلة. لعبة الارقام والتسريبات التي تصاعدت خلال الساعات الاخيرة في العراق، لن تكون تؤثر في مستقبل المحادثات السياسية المقبلة، فلا حكومة غالبية سياسية بالصيغة التي كان المالكي يطمح اليها، ولا رئيس حكومة من دون موافقة ومشاركة القيادات الشيعية والسنية والكردية الرئيسية، ولا صيغة من دون تقاسم المناصب والوزارات، بالاسلوب ذاته الذي اتبع عام 2010.