دخل المناخ مرحلة الشحن بين أنقرةوبرلين عشية الانقلاب الفاشل في تركيا منتصف تموز (يوليو) الماضي، والذي اعتبره أردوغان «هدية من الله» وأن فشله «نصر للمؤمنين»، بسبب قلق ألمانيا من سياسات حملة الاعتقالات وسياسات العقاب والفصل الجماعي وتقييد الحريات. وكان بارزاً، صدور أمر قضائي في تركيا مطلع آذار (مارس) الجاري بحبس مراسل صحيفة «دي فيلت» دنيز يوجيل الصحافي الألماني الذي يحمل الجنسية التركية، تمهيداً لمحاكمته بتهم ترويج دعاية إرهابية والتحريض على الكراهية. ووسعت هذه القضية الخلاف بين أنقرةوبرلين، خصوصاً بعد اتهام أردوغان الصحافي بأنه «انفصالي كردي وجاسوس لألمانيا». وردت المستشارية الألمانية بأن حرية التعبير في تركيا لم تحترم في شكل كامل، ووصفت اعتقال الصحافي يوجيل بأنه «إجراء مرير ومحبط». ومن جانبه جدد أردوغان إعلان استعداده للموافقة على قانون إعادة عقوبة الإعدام في حال أقره البرلمان، ملمحاً إلى إمكانية الذهاب إلى استفتاء شعبي حول الموضوع ذاته. بينما يرى الاتحاد الأوروبي الذي تقوده ألمانيا عودة عقوبة الإعدام ترسيخاً للقيم الشعبوية على حساب الديموقراطية والتطور المدني والقانوني. ويذكر أن عقوبة الإعدام لم تنفّذ في تركيا منذ عام 1984، وتوقفت نهائياً في عام 2004 في إطار الإصلاحات الهادفة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحقيق معايير كوبنهاغن. على صعيد ذي شأن، أشعل ملف حركة «خدمة» التوتر بين تركياوألمانيا على خلفية رفض السلطات الألمانية غلق مدارس تابعة للحركة، ورفض تسليم أتباعها. وتوجد في ألمانيا 14 مدرسة تديرها جماعة فتح الله غولن. وسبق أن صرح أردوغان بأنه قلق من أن تكون ألمانيا «التي حمت حزب العمال الكردستاني وجبهة حزب التحرير الشعبي الثورية على مدى سنوات، هي الساحة الخلفية لمنظمة غولن». ملامح الخلاف في شأن «أنصار غولن» تصاعدت في كانون الثاني (يناير) الماضي بعد قبول برلين فحص طلبات لجوء 40 عسكرياً تركياً. وفي الشهر الماضي اتهمت برلينأنقرة بالتجسس على أتراك يقيمون في ألمانيا عبر عناصر في «الاتحاد التركي- الإسلامي للشؤون الدينية»، وهو المنظمة الأكبر للجالية التركية المسلمة في ألمانيا ويتبع مباشرة أنقرة، ويدير شؤون نحو 900 مسجد وجماعة دينية في ألمانيا. وعشية زيارة المستشارة أنغيلا مركل لتركيا في 2 شباط (فبراير) الماضي، انتقد رئيس الوزراء التركي ما سماه ب «سياسات ألمانيا الناعمة تجاه حركة خدمة وحزب العمال الكردستاني». وتتزايد أصوات السياسيين داخل ألمانيا من مختلف التوجهات بضرورة تشديد الرقابة على المساجد ومنعها من جلب الدعاة والأئمة من البلدان الإسلامية، وفي الصدارة تركيا. ولا تخفي الهيئات الألمانية المعنية واقع تحول المزيد من مساجد ألمانيا البالغ عددها 3600 مسجد مع عشرات غيرها من غير المرخصة مراكز لنشر التطرف وأفكار العنف ضد الآخر. في جانب آخر، شهدت الفترة الماضية سجالاً بين أنقرةوبرلين بسبب «حزب العمال الكردستاني»، حيث اتهمت تركياألمانيا ب «دعم الإرهاب» بعد حجب طائرات الاستطلاع الألمانية التي تقلع من قاعدة «انجرليك» التركية، الصور التي تلتقطها لمواقع تمركز القوات الكردية في سورية، والاكتفاء بتزويد أنقرة مواقع تنظيم «داعش». ويتمتع حزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي في سورية بعلاقات قوية مع أوروبا، وتُوجت تلك العلاقات سياسياً بافتتاح بعض دول الاتحاد، منها ألمانيا وفرنسا والسويد ممثليات لأكراد سورية. ويعكس التوجه الألماني لدعم قوات سورية الديموقراطية الثقة فيها، إذ تعتبرها برلين ودول الاتحاد الأوروبي القوة الوحيدة القادرة على تحرير الرقة من الإرهاب، لكن تركيا تعتبرها منظمة إرهابية. غير أن اتساع الخلاف وتعاظم التوتُّر لا يعني أن فرص القطيعة هي الأقرب، فثمة اعتبارات عدة تدفع برلينوأنقرة إلى ضرورة العمل معاً، فالأولى تراهن على تركيا في حل مسألة اللاجئين، وتحتاج أوروبا إلى تركيا للاضطلاع بوظيفتها كحائط صد في مواجهة التهديدات والتحديات التي تحاصر الاتحاد الأوروبي من بوابته الشرقية والجنوبية، لا سيما مع رفض رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد في 14 شباط (فبراير) 2017 عشية زيارته لألمانيا، إنشاء مخيمات للاجئين على الأراضي التونسية لمواجهة موجة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. في المقابل، تحتاج أنقرة إلى دعم برلين للحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي فضلاً عن حرص تركيا على تأمين الاستثمارات الألمانية في تركيا، وأيضاً حجم التبادل التجاري الذي يلامس نحو 35 بليون دولار. كما لا تقتصر علاقة تركيا مع ألمانيا على الاستثمار والتجارة، وإنما تمثل السياحة الألمانية عنصراً مهماً في معادلة العلاقة، ووفق تقرير مؤسسة الإحصاء التركية الصادر العام الماضي، فقد احتل السياح الألمان المرتبة الأولى من حيث العدد بواقع 3 ملايين و750 ألف سائح. * كاتب مصري.