كان لتقلد المرأة السعودية في الخارج مناصب مهمة ومسؤوليات كبيرة الأثر المفحِم في الأصوات التي رسمت لها صورة يظهر في خلفيتها الاضطهاد والجهل والظلم والحرمان من الحقوق. سعوديات كثيرات تبوأن مناصب ووظائف داخل السعودية وخارجها، أثبتن المكانة العالية للمواطِنة على مختلف المستويات، خصوصاً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أعطيت خلاله المرأة فرصاً أكبر، وحققت نجاحات لافتة، لتثبت جدارة واضحة بمجرد إعطائها الفرصة والدعم والتشجيع. نماذج مشرقة لمواطنات سعوديات يمثلن المملكة من خلال عملهن خارجها، التقت «الحياة» بعضهن، من بينهن رئيسة إقليم الشمال الشرقي للشؤون الدراسية في الملحقية الثقافية السعودية في الولاياتالمتحدة، حصة الفايز، التي أكدت أن «النساء شقائق الرجال»، مشيرة إلى أن تمثيل المرأة السعودية لبلدها لا يقل أهمية عن تمثيل الرجال لبلدهم. واعتبرت أن وجود المرأة في الملحقيات ضرورة، لا رفاهية فحسب. وأكدت ان وجود المرأة السعودية في دائرة التمثيل الديبلوماسي بالذات، يصب في خدمة الدفاع عن المملكة «أمام الدعايات الجائرة التي يراد منها النيل من بلادنا وقيمنا الثقافية، عبر ما يقال عن حرمان المرأة من حق العمل ونحوه». وعن تجربتها في العمل في الملحقية، تقول الفايز: «لا شك في أن هناك عوامل تضافرت لتشكل دافعاً لاختياري في الملحقية الثقافية، وفي أميركا بالتحديد، فأنا حاصلة على شهادة الدكتوراه في التربية من هنا، والإشراف الدراسي على الطلاب المبتعثين متعلق بتخصصي». واعتبرت أن التجربة لا تعوض «فالعمل في الملحقية الثقافية كان حلماً وتحقق»، لكنها لا تنكر أن صعوبات تواجهها في عملها... فالعدد الكبير من المبتعثين الذين بدأوا التوافد على الولاياتالمتحدة مع انطلاقة برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، شكّل تحدياً للجميع في الملحقية. بناء الإنسان هاجس وترى المستشارة في الملحقية الثقافية السعودية في كندا، مشاعل الشويعر، أن بناء الإنسان كان الهاجس الأول لخادم الحرمين الذي فتح المجال لتطوير التعليم العام والجامعي، وابتعاث عشرات الألوف من الطلبة لنهل العلم من منابعه، فوجدت الفتاة السعودية فرصاً كثيرة للابتعاث الخارجي. وعملت الشويعر في الملحقية الثقافية السعودية في كندا، تحقيقاً للمساهمة الإيجابية في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، و «خدمة لمن اغتربوا طلباً للعلم»، كما تقول. لكنها على وجه الخصوص تهدف إلى «خدمة بنات بلدي من المبتعثات، والمساهمة في إعطاء صورة واضحة عن المرأة السعودية المسلمة ودورها في خدمة دينها ووطنها». مثال مشرق آخر هو تجربة موضي الخلف التي تعد أول مواطنة تتقلد منصب مديرة للشؤون الثقافية والاجتماعية في الملحقية الثقافية في سفارة المملكة في واشنطن. وتقول فيها: «أعتقد أن الدولة بدأت تنظر بجدية الى دور المرأة وضرورة وجودها جنباً إلى جنب الرجل في تمثيل بلدهما، وأعتقد انه كان نتيجة حتمية لواقع استثمار الدولة في تأهيل المرأة». وتشير إلى أن الصورة النمطية التي شكلتها أجهزة الدعاية والإعلام الغربية عن المرأة السعودية جعلت الأمر أكثر إلحاحاً «كأن يكون هناك تمثيل لشخصية المرأة السعودية الحقيقية القادرة على تمثيل بنات جنسها بصورة إيجابية وفعالة». وعن تجربتها تقول الخلف: «بدأت فكرة عملي هنا بمحض الصدفة، اذ دعاني أحد الأندية الطلابية الى إلقاء محاضرة في مؤتمر العلاقات العربية - الأميركية، قدمت فيها عرضاً بعنوان «كسر الصور النمطية وبناء جسور حقيقية»، وكان من أبرز المشاركين في المؤتمر الملحق الثقافي الدكتور محمد العيسى الذي دعاني بعدها للانضمام الى أسرة الملحقية الثقافية في أميركا كمديرة للشؤون الثقافية والاجتماعية». وتضيف: «منذ ذلك الحين، وأنا أعتبر عملي في الملحقية الثقافية في واشنطن تكليفاً أكثر من كونه تشريفاً، فهو مسؤولية كبيرة أتحملها عن طيب خاطر، ونافذة حقيقية على العالم أزاول من خلالها عملي كامرأة، ودوري كناشطة ثقافية في التواصل مع المجتمع الآخر، ونقل الحقائق وتغيير الصورة النمطية السلبية التي تراكمت عن المملكة والمرأة السعودية في الإعلام الأميركي». وعن التحديات التي تواجهها السعوديات العاملات في الملحقيات، ترى أن الصعوبات تكمن في التعامل مع كم العمل في ظل التزايد الحاد في عدد المبتعثين، إضافة إلى الصعوبات الطبيعية التي يواجهها الإنسان البعيد من الوطن، لكنها تؤكد أن «الإنسان السوي يستطيع بسهولة أن يتخلص من تلك الأعباء النفسية وأن يدرك جيداً أنه في مهمة تستحق التضحية والغربة». أما المشرفة على وحدة المبتعثين في الملحقية الثقافية في كندا، كوثر فؤاد عابد، فتعتبر أن الصعوبات التي يواجهنها «لا تعدو كونها تحديات تنافسية شريفة لإثبات الذات والتميز وكسب الاحترام وثقة العاملين في مجال العمل من ذوي المؤهلات والأدوار القيادية وهذا مألوف من بني الجنسين وما جُبل عليه البشر. والتحديات الأصعب هي تلك الناتجة من تداخل عوامل من معتقدات وثقافات وخلفيات اجتماعية وبيئية والتي يترتب عليها اختلاف المفاهيم وأساليب التعامل والعلاقات الإنسانية»، وهذه تحتاج إلى «التعامل معها بمزيد من الهدوء والتريث والتخطيط البعيد المدى والنظرة المستقبلية للتطوير والارتقاء».