انطلقت أمس، في «متحف القصر الكبير» في باريس الدورة التاسعة عشرة لمعرض «آر باري» «Art Paris» التي اختارت القارة الأفريقية ضيف شرف، وتشارك فيها نحو عشرين صالة عرض من أنغولا، أفريقيا الجنوبية، ساحل العاج، المغرب، تونس، نيجيريا. تتيح هذه الدورة للزوار التعرف إلى أحدث إبداعات الفنانين الذين ما زالوا يقيمون في دولهم أو في المهجر. ويعتبر القيّمون على الدورة أن اختيارهم أفريقيا، بعد الصين وروسيا وكوريا الجنوبية التي حلت ضيوفاً في السنوات الماضية، يساهم في إعادة الاعتبار إلى نتاج فناني أفريقيا الذين قبعوا في الظل بسبب هيمنة الفنانين الغربيين على الساحة الفنية عقوداً طويلة. ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها الإرث الاستعماري وغياب البنية الاقتصادية والثقافية التي تفتح الآفاق لفناني الدول الفقيرة، وتتيح لهم التحليق خارج أوطانهم. وتشارك صالات أخرى من فرنسا والدول الأوروبية والشرق الأوسط، ويبلغ مجموعها نحو 130، منها «صالة كلود لومان» الموجودة في باريس منذ أكثر من ربع قرن، والتي تضم معروضاتها أعمالاً لفنانين عرب من المشرق والمغرب. وتحت عنوان «من الشرق وأفريقيا والغرب» وعلى مساحة 120 متراً مربعاً، تطالعنا أعمال ل12 فناناً يجسدون، وفق تعبير صاحب الغاليري كلود لومان، الحوار بين الشرق والغرب وأفريقيا. وهم من المغرب والجزائر ولبنان والعراق واليابان الممثلة بأعمال للنحات منابو كوشي. تحضر في هذا الجناح أيضاً أعمال لفنّانين راحلين تركوا بصماتهم في مسيرة الفن، كاللبناني شفيق عبود والمغربي فريد بلكاهية. كذلك تحضر أسماء أخرى تعدّ رائدة وما زالت حاضرة بقوة في المشهد الفني العربي والعالمي، كالعراقي ضياء العزاوي واللبنانية إيتيل عدنان والجزائري عبدالله بن عنتر والمغربي محمد المليحي... وتختصر أعمالهم المعروضة توجهاتهم الفنية القائمة على التجريد والاستيحاء من حركة الطبيعة وتحولاتها بروح شاعرية. وإلى جانب أعمال هؤلاء، تخصص صالة «كلود لومان» معرضاً لناجية محجي، وهي فنانة مغربية من مواليد عام 1950 تعيش بين فرنسا والمغرب، وتشارك باستمرار في معارض دولية، وتتميز باعتمادها على تقنيات مختلفة ونهلها من التصوف الإسلامي ورقص الدراويش والجماليات الآسيوية. والفنانة معروفة أيضاً بالتزامها قضايا المرأة والإنسان عموماً ضحية الحروب والعنف. ولا بد من الإشارة إلى المشروع الذي أعده صاحب «كلود لومان» مع مجموعة من الفنانين، منهم إيتيل عدنان وناجية محجي وخالد تكريتي ويوسف عبدلكي وماهي بنامين، ويرمي إلى مساعدة تلامذة سوريين في مدارس لبنان عبر تخصيص ريع مبيعات أعمال هؤلاء التي نشاهدها على جدران «آر باري» لهم. وسينفّذ المشروع بالتعاون مع جمعية Codssy التي أُسست عام 2012 وتعرف ب «الائتلاف السوري للتنمية والإغاثة». تتنوع المشاركات الفنية في «آر باري»، وكذلك التقنيات الفنية المعاصرة، ومنها الصورة الفوتوغرافية التي تطالعنا مع عدد من الفنانين منهم المغربي هشام بن أحد، الذي يعرض أعماله في صالة «لوفت أرت غاليري» المغربية. وهو يتميز برؤيته الجريئة لقضايا المجتمع المغربي مركزاً على تناقضاته بأسلوب حر قائم على إخراج فني مبتكر لعناصر الصورة الفوتوغرافية. وعلى هامش هذا الحدث الفني، برزت أصوات بعض النقّاد الذين اعتبروا أنّ مستقبل الفنّ «سيأتي من أفريقيا»، تماماً كما جاءت منها التأثيرات العميقة التي طبعت مسيرة الفنون التشكيلية الحديثة والصورة الفوتوغرافية، من خلال أعمال فنانين ومصوّرين بارزين، منهم بابلو بيكاسو وألبرتو جاكوميتي وفرنسيس بايكون ومان راي.