يسعى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى تفعيل الوضع الحكومي وإخراجه من الجمود الذي مضى عليه شهر، جراء توقف جلسات مجلس الوزراء بسبب الاختلاف على مخرج توافقي لملف «شهود الزور». وهو يدرس لهذه الغاية توجيه الدعوة الى عقد جلسة بعد غد الجمعة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، لأن من غير الجائز، كما نقل عنه زواره أمس «ان تبقى الجلسات معلّقة وأن ندير ظهرنا للناس، لا نلتفت الى مشكلاتهم، لأن التباين حول قضية ما لا يبرر تعطيل المؤسسات الدستورية، خصوصاً ان المنطقة، ومن خلالها لبنان، تمر في ظروف صعبة بسبب تعنت إسرائيل ورفضها الاستجابة لرغبة المجتمع الدولي في تحقيق سلام عادل، ما يتطلب منا تحصين الساحة الداخلية والحفاظ على الاستقرار العام». وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية ان الحريري أبلغ سليمان، في الخلوة التي جمعتهما ليل أول من أمس في القصر الجمهوري في أعقاب رعاية الأخير لافتتاح السنة القضائية في قصر العدل، رغبته في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد باعتبار ان الدعوة من صلاحياته ومنصوص عليها في الدستور، وأن أحداً لا يستطيع ان يمنعه من ممارستها، لا سيما مع تصاعد الحملات الإعلامية التي تتهمه بأنه يعطّل مجلس الوزراء ويمنعه من الانعقاد ويمرّر الوقت. وأكدت المصادر نفسها ان جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء يضعه رئيس الحكومة بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، وأن التفاهم والتوافق لا يعنيان ابداً ان هناك من يملي على رئيس الحكومة مواقف تتعارض وصلاحياته. ولفتت المصادر الى ان الحريري صارح سليمان بقوله: «لقد انتظرنا شهراً ومجلس الوزراء متوقف عن العمل، لكننا لم نتوصل الى نتيجة، وبدلاً من أن ينعقد المجلس فوجئنا بموقف أدى الى تعليق طاولة الحوار، مع ان لا موجب لتوقف الحوار الذي يواصل مناقشة الاستراتيجية الدفاعية للبنان. وحتى الساعة نجهل الأسباب التي دفعتهم (قوى 8 آذار) الى الغياب عن الحوار». وكشفت المصادر ان الحريري ليس في وارد إقفال الباب امام معاودة طرح ملف شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء، لكنه لا يأخذ بالشرط الذي وضعته قوى 8 آذار لجهة إدراجه بنداً أول، واللجوء الى التصويت في حال تعذر التوافق على مخرج. وقالت انه يعود للحريري الحرية في إدراج ملف شهود الزور في أول الجلسة أو في آخرها أو في منتصفها، على ألاّ يؤدي الى شل عمل مجلس الوزراء في مناقشة مواضيع أخرى. وأوضحت ان الحريري لم يقفل الباب امام ابتداع صيغة توافقية لملف شهود الزور، وقالت انه باشر مشاوراته امس لاستكشاف مواقف القوى المشاركة في الحكومة من رغبته في دعوة المجلس الى الانعقاد. والتقى امس لهذه الغاية وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي من «اللقاء النيابي الديموقراطي»، ثم المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب في حركة «امل» علي حسن خليل، الذي أطلع الرئيس نبيه بري على الأجواء التي سادت اللقاء وأجرى مشاورات مع حلفائه في قوى 8 آذار. ويفترض ان يعود النائب خليل ثانية للقاء الحريري وإطلاعه على الموقف النهائي لبري وللقوى الرئيسة في 8 آذار، لتأكيد ما اذا كان هناك إمكان للمشاركة في الجلسة أو الغياب عنها. وفيما تردّد ان مشاورات النائب خليل ليلاً شملت المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل ووزيري الطاقة جبران باسيل (التيار الوطني الحر) والدولة يوسف سعادة (تيار المردة)، فإن المصادر الوزارية رأت في مبادرة الحريري دعوة مجلس الوزراء محاولة جدية للبحث في إعادة تحريك الوضع الحكومي للتفاهم على صيغة مركّبة في شأن ملف شهود الزور (تقضي بطرح الملف على التصويت، على ان تتوزع الأصوات مناصفة). ورأت مصادر سياسية أخرى مواكبة لملف شهود الزور، ان سورية لم تحبذ في السابق طرحه على التصويت من اجل حسم الموقف بين رأيين: الأول تمثله قوى 14 آذار وتقترح إحالته على القضاء العادي باعتباره من اختصاصه، والثاني تقوده قوى 8 آذار وتطالب بإحالته على المجلس العدلي. وتابعت هذه المصادر ان سليمان ومعه جنبلاط لم يؤيدا في السابق اللجوء الى التصويت في مجلس الوزراء لحسم الخلاف، وذلك لتفادي إقحام الحكومة في دورة جديدة من التأزيم السياسي في ضوء ما تردد سابقاً عن ان وزراء «14 آذار» سينسحبون من الجلسة فور طرحه على التصويت، ما يفقدها النصاب القانوني لطرحه. وأضافت ان جنبلاط التقى الرئيس بشار الأسد قبل ساعات من عقد الجلسة، وأنه عاد بموقف سوري متفهم لطلب عدم اللجوء الى التصويت، وهذا ما أدى الى تعليق الجلسة. إلاّ ان المصادر المواكبة سألت ما اذا كان الموقف السوري من شهود الزور لا يزال على حاله بعدم اللجوء الى التصويت، بذريعة ان المشاورات السورية – السعودية مستمرة، وأنها بلغت موقفاً متقدماً، وأن من الأفضل الانتظار لعلها تتوصل الى إطار عام يساعد اللبنانيين على إيجاد مخارج توافقية لنقاط الاختلاف على قاعدة توفير المناخ الملائم لاستيعاب التداعيات المترتبة على القرار الظني في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. ولم تتمكن هذه المصادر من مواكبة الموقف السوري من ملف شهود الزور عن كثب، للتأكد مما إذا كانت دمشق مازالت تحبذ عدم التصويت لقطع الطريق على إقحام البلد في موجة جديدة من التصعيد السياسي، لعل التفاهم السوري – السعودي يدفع باتجاه التوافق، ام أن موقفها تبدّل على رغم ان المعلومات الواردة من العاصمة السورية، وإن كانت ليست وفيرة، لم تتضمن أي إشارة مناقضة الى ارتياح دمشق والرياض لسير المفاوضات الثنائية.