جولة واحدة في معرض «البوستر الفلسطيني» في مركز خليل السكاكيني في رام الله، الذي افتتح أخيراً ضمن يوم الثقافة الوطنية، كفيلة بكشف حجم التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي ألقت بظلالها على النظام السياسي الفلسطيني. ويستطيع الزائر أيضاً أن يعاين التحولات الني طرأت على الطبيعة الفنية للبوستر (الملصق) الذي تحوّل من فن إلى طباعة آلية مع الوقت، مع اختلاف المضامين ما بين ملصق ما قبل النكبة وخلالها، وما بعد «الانطلاقة»، وما بعد خطاب الرئيس ياسر عرفات في الأممالمتحدة، والانتفاضة الأولى، وإعلان الاستقلال، حتى توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، والتي بدأ معها يتحول البوستر من أداة نضالية إلى وسيلة إعلانية، بما في ذلك إعلانات النعي للشهداء، فغابت النكهة الفنية والقضايا الكبرى عنه. ولعل أكبر دليل على ذلك هو أن رحيل عرفات لم تعقبه ملصقات تليق برمزيته الكبيرة، وهو ما ينطبق على رمز فلسطين الثقافي الشاعر محمود درويش، على عكس من سبقوهما من ساسة كخليل الوزير (أبو جهاد)، وأبو إياد، وأبو الهول، وأبو صبري، وغيرهم الكثير، ومثقفين وفنانين أبرزهم غسان كنفاني، وكمال عدوان، وناجي العلي، وبعضهم زاوج ما بين القلم أو الريشة والبندقية. عند المدخل ملصق أعد في الناصرة في ذكرى «يوم الأرض»، أصدرته منظمة التحرير الفلسطينية على خلفية لوحة للمدينة تعود إلى العام 1875، وإلى جانبه مصلق فني بعنوان «الانتفاضة 89» من إصدار المنظمة أيضاً، وآخر عن ذكرى «يوم السجين» من إصدار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورابع عن «الانطلاقة»، وخامس عن خطاب عرفات في الأممالمتحدة. وكل هذه لوحات ملهمة، فيها دلالات رمزية قابلة لأكثر من تأويل، وإلى جانبها ملصقات أجنبية أعدها فنانون مؤيدون للقضية الفلسطينية في ستينات القرن الماضي وسبعيناته وثمانيناته. 25 ملصقاً لم تخل من حضور لمبدعين مكرسين كرموز وشهداء، كما في ذلك الملصق حول رسام الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي الذي رسمته الفنانة ايرينا كركبي، وهي تشكيلية فلسطينية، وآخر حمل عبارة عرفات «لا سلام إلا سلام فلسطين»، أو من وحي كلمات أو أغنيات كما في الملصق الذي حمل «نشد على أياديكم» من أغنية «أناديكم» الشهيرة لأحمد قعبور من كلمات الشاعر توفيق زيّاد. وحضر الفنانون كمصممين لهذه الملصقات، ومن بينهم سليمان منصور في ملصق عن «يوم السجين» لحمامة تخترق قضبان الزنزانة معتمرة الكوفية، وسمير سلامة في ملصق عن مخيم تل الزعتر في لبنان. وهناك ملصق للفنان فتحي غبن، وملصق عرس في قرية فلسطينية للفنان إبراهيم غنام، وسوى ذلك حتى الوصول إلى الملصق الأخير الصادر عن اتحاد المرأة الفلسطينية في العام 1979، للوحة رسمها طفل أو طفلة ممن كانوا يقميون في «بيت أطفال الصمود». أما الملصقات التي احتوى عليها الكتيب الخاص بالمعرض، ففيها ما ليس معروضاً لإتاحة مساحة إضافية للجمهور الراغب في التعرف إلى ملصقات أخرى من أرشيف الملصق الفلسطيني، الذي أعيد تقديمه إلى اليونيسكو ليكون ضمن «ذاكرة العالم»، بمبادرة من الباحث الأميركي دان وولش وبمساعدة الفنان عامر شوملي، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ممثلة بالدكتور سليم تماري، وأيضاً المقتني جورج الأعمى، وغيرهم من المنضمين إلى مشروع الأرشيف حول العالم، وبدعم من وزارة الثقافة التي تنظم هذا المعرض، في العام الذي يشهد مئوية وعد بلفور، وخمسينية النكسة التي أدت إلى احتلال الضفة الغربية، وبما يتوافق وشعار يوم الثقافة الوطنية: «الثقافة مقاومة».