لا تبدو الحروب في افغانستان مادة مثيرة للمسرح بمقدار اثارتها لنشرات لأخبار. ولكن كاتباً أميركياً هو جي تي روجرز، خاض تجربة الاقتراب من موضوع شائك وجامد وحوّله الى نص مسرحي فيه من الاثارة ما تحفل به رواية تجسس تقترب من موضوعة حروب الاستخبارات الدولية فترة الحرب الباردة، وفيه من الطرافة والتعليقات الساخرة والمعالجة الدرامية المبسطة، ما يليق بالمسرح الذي لا يحتمل جمهوره عرضاً مثقلاً بالكلام عن السياسة والصراع الدولي والحرب الباردة. النص قدمه مسرح (ناشيونال ثياتر) في لندن بطاقم بريطاني قاده المخرج البريطاني هاورد ديفيز.تفتتح المسرحية بوصول الموظف بوكالة الاستخبارات الأميركية جيم وورنوك الى إسلام آباد الباكستانية القريبة من الحدود الافغانية في عام 1981. كانت الحرب في الدولة المجاورة قد بدأت قبل عامين، ومهمة الرجل الأميركي مدّ قبائل البشتون بالمال والسلاح لمحاربة القوات السوفياتية. كأن الكاتب يعود بنا الى أصل الصراع، فإذا كانت القوات الأميركية الآن هناك تقصف البلاد بحجة القاعدة و11 أيلول (سبتمبر) 2001، فإنها قبل عشرين عاماً كانت تسلح وتقوي الجماعات التي ستصبح محسوبة على «التطرف الاسلامي»، لتصبح بعد عقدين هي المبرر نفسه لحرب أخرى هناك، بحجة القضاء على الارهاب. في المسرحية ممثلون عن أربعة أجهزة مخابرات، فإضافة الى الاميركية، هناك البريطانية، الباكستانية، والسوفياتية، كلها متورطة في شكل أو آخر في تأجيج نار الحرب في افغانستان ودعم أمراء الحرب فيها. هؤلاء، الغربيون تحديداً، يلتقون في المناسبات، يتشاركون الشراب والضحكات والتعليقات الساخرة، ويشكون متاعبهم الأسرية وقلقهم على أبنائهم وزوجاتهم، بينما تشن قوات بلادهم الغارات على نساء وأطفال شعب آخر. شخصية الأميركي وورنوك متخيلة واسمه غير حقيقي، أما شخصية ممثل المتمردين الأفغان وأحد امراء الحرب هناك، القائد الأفغاني قلب الدين حكمتيار فهو يطابق شخصية واقعية ومعروفة. يحمل رجل ال «سي آي إي» عبء غالبية المشاهد، فهو مرة في موقع للمتمردين الأفغان يفاوض ويرشي، او في مكتب قائد الاستخبارات الباكستانية يفرض عليه طريقة التعاون، او في مكتبه الرئيسي في واشنطن حيث يتصادم مع رئيسه في العمل الذي لا يهمه من أمر أسرة موظفه شيئاً ولا حتى مرض ابنته الذي ينتهي بموتها، فكل ما يهمه تلك النتائج البعيدة التي على وورنوك أن ينجزها. وورنوك في المقابل يمارس خداعاً على الجميع، بمن فيهم رؤساؤه، انها شخصية رجل الاستخبارات التي تدخل اللعبة وتصدقها، لعبة الخداع والغدر والتصريح بغير المضمر، سواء مع الأعداء أم مع الحلفاء المسؤولين والزملاء في العمل. بصورة عامة نجح الممثلون الرئيسيون في تجسيد أدوارهم الخاصة بشخصيات لها خلفياتها الاثنية الخاصة، افغانية، روسية، أو باكستانية، من خلال حركة الجسد المدروسة، ومن خلال لكنة خاصة تلوّن اللغة الانكليزية التي يتحدثون بها. نذكر بالخصوص الممثل ماثيو مارش في دور عميل ال «كي جي بي»، وفيليب أرديتّي في دور سعيد معاون حكمتيار، وقد حملت شخصيته الكثير من الكوميديا للعرض، خصوصاً وهو يؤدي دور الافغاني المفتون بالغرب وأغانيه ونسائه. وفي مشهد طريف عندما يزور الكونغرس مع وفد من المجاهدين لعرض قضيتهم، وهناك ينشغل في مغازلة موظفة ويحاول أن يلفت انتباهها بترديده مقاطع من أغنية لتينا تيرنر. اللافت في ديكور هذا العرض انه يقترب من ديكور المشاهد التلفزيونية الداخلية ومن اضاءتها أيضاً، وكانت الخشبة تتحرك افقياً ورأسياً بسلاسة، وهذا ما خدم سرعة المشاهد وكثرتها وتعدد الأماكن المفترضة. تنتهي المشاهد الأخيرة للمسرحية بانسحاب الجيش السوفياتي من افغانستان، بما اعتبره الاميركيون نصراً لهم، لكن قلب الدين حكمتيار ورجاله ينقلبون على حلفائهم، لقد اصبحوا الآن مدربين تدريباً عالياً وقادرين على محاربة الاميركيين أنفسهم. أية سخرية لاذعة تلخص وضعاً عسكرياً وسياسياً معقداً. كانت حرب الثمانينات نتائج وسواس الولاياتالمتحدة بهزيمة عدوها اللدود الاتحاد السوفياتي، ضمن صراع عرف تاريخياً باسم الحرب الباردة. وليت التداعيات انتهت عند تلك الفترة. مؤلف المسرحية، جي تي روجرز، كاتب مسرحي قدير في معالجة قضايا العالم الكبيرة من خلال المسرح. وقد اشتهر قبل سنوات قليلة من خلال نص مسرحي تناول فيه المجازر في رواندا وتورط القوات الغربية فيها. أما نصه المسرحي هذا، فكان قسماً من عرض قدم قبل سنة على مسرح (تريسايكل) شمال لندن ضمن عرض طويل عن الحرب في افغانستان خلال قرن كامل. الكاتب في هذه النسخة، أطال نصه من 25 دقيقة الى ساعتين وربع الساعة، ليكون عرضاً مستقلاً تماماً. السؤال الذي يطرح نفسه بعد مشاهدة العرض: هل يصلح المسرح لمناقشة هموم السياسة والاقتصاد؟. لا شيء يمنع المسرح من طرح أية قضية على ما يبدو، هذا ما أثبتته عروض مسرحية في السنوات الأخيرة، على رغم ان بعضها قد لا يصمد مع الزمن طويلاً في حال انتهاء موضوع المسرحية. على أي حال، من ايجابيات العروض المسيسة، إعادة تذكير شعوبها بأساس الصراع الذي يدور في مكان بعيد وأساس تورط قوات بلادها فيه. أما الحديث في نشرات الاخبار عن ارتفاع عدد القتلى بين جنود القوات البريطانية والأميركية وعودة الكثير من جنودها بتوابيت الى عائلاتهم، أو قرب انسحاب تلك القوات من افغانستان في مدة أقصاها أربع سنوات، الخ، فهي خلفية واقعية لهذا العرض المسرحي السياسي الساخر الذي ينتقل الى نيويورك في القريب ويبدأ عروضه للجمهور الأميركي.