في عملية اغتيال مفاجئة وغير مسبوقة، قتل مسلحون مجهولون بمسدس مزود بكاتم صوت القيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، الأسير المحرر مازن فقهاء (38 سنة) على مدخل منزله في حي تل الهوى غرب مدينة غزة ليل الجمعة - السبت. وأطلق المسلحون ست رصاصات على رأس فقهاء وصدره من «مسافة صفر»، حسب وزارة الصحة التي تديرها الحركة في قطاع غزة، قبل أن يلوذوا بالفرار، في عملية تشبه الى حد بعيد عمليات اغتيال نفذها جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (موساد) خلال عشرات السنوات السابقة. وعلى رغم الصمت الإسرائيلي الرسمي إزاء اغتيال فقهاء، إلا أن «حماس» و «كتائب القسام» وفصائل المقاومة حملت إسرائيل وعملاءها المسؤولية عن اغتياله الذي يتطابق تقريباً مع اغتيال المهندس التونسي القيادي في «القسام» محمد الزواري في تونس قبل أشهر. وجاءت عملية الاغتيال بعد أيام قليلة على إنهاء الجيش الإسرائيلي أكبر مناورات عسكرية في محيط القطاع تحسباً لأي مواجهة مقبلة. وتعهدت «حماس» و «كتائب القسام» في بيان «قطع أيدي وأعناق» المشاركين في اغتيال فقهاء. ولم يُطلق أي فصيل أي صاروخ على إسرائيل رداً على اغتياله، ما رجح أن يكون رد «كتائب القسام» في الضفة الغربية أو داخل إسرائيل. ونظراً الى طبيعة عملية الاغتيال وطريقة تنفيذها، وتآكل هيبة «حماس»، ومكانة فقهاء الذي تتهمه وسائل إعلام عبرية بأنه المسؤول عن العمل العسكري للحركة في الضفة، فمن المرجح أن تُقدم الحركة على اغتيال مسؤول إسرائيلي داخل فلسطين أو خارجها، أو تنفذ عملية كبيرة في إحدى المدن الكبرى. ومن المرجح أن تزعزع عملية الاغتيال التهدئة السائدة منذ انتهاء العدوان الثالث الواسع النطاق على القطاع في 26 آب (أغسطس) عام 2014. ولاحت في أجواء قطاع غزة علامات الخوف ونذر حرب رابعة بعد عملية الاغتيال المفاجئة وغير المتوقعة، وحال الصدمة التي أصيب بها قادة الحركة إزاء الجرأة والحرفية العالية التي يتمتع بها المنفذون. وعبر كثير من الغزيين على شبكات التواصل الاجتماعي عن الخوف من أي حرب مقبلة، ودعوا الفصائل، خصوصاً «حماس»، الى التروي والتعامل بحكمة وعدم الانجرار الى حرب جديدة، فيما طالب أنصار الحركة بالثأر. وتعتمد احتمالات نشوب حرب جديدة، خلال أسابيع أو شهور قليلة، على حجم رد «حماس» على اغتيال فقهاء، ومكان الرد وعدد القتلى الإسرائيليين، ومدى تآكل هيبة الجيش الإسرائيلي الذي يوصف بأنه لا يُقهر. وعلى رغم أن الحركة نشرت قواتها الشرطية والأمنية وعناصرها في شوارع القطاع، خصوصاً مدينة غزة، وتحول المدينة الى ما يشبه ثكنة ومنطقة عسكرية مغلقة من جهتيْ البر والبحر، إلا أنهما لم تفلحا في اعتقال أي مشتبه فيه. ويُعتقد أن المنفذين، الذين وصلوا الى القطاع من طريق البحر، لاذوا بالفرار من الطريق نفسها، على غرار عمليات تصفية واغتيال عدد من قادة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن بينهم خليل الوزير في تونس عام 1988، والقادة الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار في حي فردان في بيروت عام 1973. وشيع آلاف الفلسطينيين ظهر أمس، فقهاء الى مثواه الأخير في مقبرة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة وسط دعوات الى «الانتقام»، بمشاركة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية ومسؤول الحركة في القطاع يحيى السنوار ونائبه خليل الحية، وعدد من قادة الحركة والفصائل، ومجموعات مسلحة من الفصائل الوطنية والإسلامية. وبدا واضحاً أن عملية الاغتيال موجهة في شكل أساس الى السنوار وهنية وقادة الحركة السياسيين والعسكريين، والأسرى المحررين، خصوصاً المبعدين من الضفة الغربية الى القطاع. وقال هنية أثناء التشييع إن «وصية فقهاء ومعركته بقيت، وسنصون الدماء وسنحمي الوصية وسنستمر في المعركة»، في حين قال الحية: «اذا ظن العدو أن الاغتيال سيغير المعادلة، فالقسام قادر على الرد بالمثل». ردود الأفعال ووصفت «حماس» اغتيال فقهاء ب «الجريمة النكراء»، وقالت في بيان إن «الاحتلال يعلم أن دماء المجاهدين لا تذهب هدراً، وهذه الجريمة لن تمر من دون حساب، فالحركة تعرف كيف تتصرف مع هذه الجرائم». وقال القيادي في الحركة محمود الزهار أثناء تشييع فقهاء إن «للاحتلال الإسرائيلي أيادي عميلة... هذه الأيادي والأعناق سنقطعها بإذن الله». وأضاف: «الآن لا بد أن تكون هناك حملة ضد كل من شارك باغتيال فقهاء. وسائل الانتقام والردع عندنا متعددة، ووسائل إحقاق الحقوق نحن نعرفها تماماً، لذلك لا نتعجل الحديث في الآليات». واعتبر الزهار أن «الهدف الأساس للاحتلال من عملية الاغتيال تحقيق مجد وهمي، وتقديم إثبات للمستوطنين الذين بدأوا يرحلون إلى خارج غلاف غزة أن بإمكانه تحقيق ردع المقاومة». وشدد على أن الحركة «وصلت مع الاحتلال الإسرائيلي إلى حال لا تقبل معها مثل هذه الجرائم أو فرض أي معادلة جديدة في قطاع غزة». كما شدد على أنه «لا اتفاقات تهدئة بين المقاومة وإسرائيل، بل وقف إطلاق نار يمكن أن يُخترق في أي لحظة». وأوضح الزهار أن «الاحتلال حاول أخيراً أن يوحي بإيحاءات نفهمها جيداً، وليس كما يريدون هم، وكان من بينها قضية المناورات في شأن غزة واستدعاء جنود الاحتياط، وأن هذه الأشياء لا تخيفنا». وقال إن الحركة تدرك أن «إسرائيل في أمس الحاجة إلى الهدوء، لكنه يجب أن يكون له ثمن، وهم الآن خرقوا هذا الثمن، ونحن على استعداد أن نواجه أي محاولة لخرق هذا الهدوء». وفجر أمس، أصدرت «كتائب القسام» بياناً تعهدت فيه أن «يدفع العدو ثمن جريمة اغتيال... فقهاء بما يكافئ حجم الاغتيال»، مؤكدة أن «من يلعب بالنار سيُحرق بها». وأقسمت «أمام الله، ثم أمام أمتنا وشعبنا بأن العدو سيدفع ثمن هذه الجريمة». واعتبرت أن «المعادلة التي يريد أن يثبتها الاحتلال على أبطال المقاومة في غزة (الاغتيال الهادئ) سنكسرها، وسنجعل العدو يندم على اليوم الذي فكر فيه بالبدء بهذه المعادلة». ورأت أن «الجريمة من تدبير العدو الصهيوني وتنفيذه، وهو من يتحمل مسؤولية الجريمة وتبعاتها». ونعت فقهاء الذي قالت انه ارتقى بعد رحلة من الجهاد والاعتقال والعطاء أرّقت خلالها العدو ووجهت اليه صفعات قاتلة في قلب فلسطينالمحتلة. ونسب موقع «المجد الأمني» التابع ل «كتائب القسام» الى «مسؤول أمني رفيع» قوله إن «منظومة الأمن في القطاع تعي حجم الجريمة... والرسائل التي أرادها المهاجمون». وأضاف أن «العدو يحاول فرض معادلة جديدة عبر الحرب الأمنية الصامتة نتيجة فشله في التحكم في قيادة المعادلة الميدانية العسكرية التي كسرتها المقاومة في الفترة الأخيرة». ودانت الفصائل في بيانات منفصلة اغتيال فقهاء. ووصفت حركة «الجهاد الإسلامي» اغتياله بأنه «جريمة غادرة تحمل أجندة الاحتلال وبصمات أجهزته الإرهابية». واعتبر مسؤول المكتب الإعلامي للحركة داوود شهاب في بيان أن «الجريمة تحمل رسائل خطيرة، لذلك من الواجب التعامل معها بالطريقة المناسبة»، داعياً الى «تشديد ملاحقة العملاء، وتعزيز الجبهة الداخلية لقطع الطريق على الاحتلال، والعمل على إفشال مخططه الهادف لخلخلة الوضع الداخلي وضرب أمن واستقرار غزة حاضنة المقاومة». واعتبر أن «من حق المقاومة وواجبها الرد المناسب على هذا العدوان والتصدي لكل محاولات العبث والتلاعب بأمن شعبنا وأرواح أبنائه، وعدم السماح بتغيير قواعد اللعبة». ووصفت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في بيان اغتيال فقهاء ب «الجريمة الصهيونية الجبانة التي تستوجب رداً رادعاً من المقاومة، بما فيها ملاحقة منفذيها». وطالبت «الشعبية»، التي اغتالت وزير السياحة الإسرائيلي اليميني المتطرف رحبعام زئيفي بعد 50 يوماً على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى عام 2001، الفصائل ب «استخلاص العبر حتى تستطيع أن ترد بحجم الجريمة، وأن تكثف جهودها في الوصول إلى العملاء القتلة الذين نفذوها، وأن تعزز إجراءاتها في حماية الجبهة الداخلية، وشن حرب بلا هوادة على العملاء». وشددت «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، الذراع العسكرية ل «الشعبية»، على أن «عملية الاغتيال الجبانة يجب أن تقابل برد قاسٍ من فصائل المقاومة على الاحتلال وأعوانه، وأن لا تمر مرور الكرام». واعتبر عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الديموقراطية» طلال أبو ظريفة أن «الاحتلال وأعوانة يتحملون عملية الاغتيال الجبانة». وقال في تصريح إن «الاحتلال المستفيد من هذه الجريمة التي تتطلب من قوى المقاومة رداً بمستواها». واعتبر حزب «الشعب» الفلسطيني أن اغتيال فقهاء «يمثل مؤشراً خطيراً الى أن الاحتلال ماضٍ في عدوانه على شعبنا الفلسطيني ومناضليه»، و «تأتي في سياق استمرار خرق الاحتلال بنود صفقة وفاء الأحرار» شاليت. إسرائيل تلتزم الصمت وعلى رغم ما أثاره اغتيال فقهاء من ضجيج، التزمت إسرائيل رسمياً الصمت ولم تؤكد ولم تنفِ مسؤوليتها عنه. لكن الإعلام العبري انخرط بفاعلية في الحديث عن العملية، وقال إن فقهاء مسؤول عن عدد من الخلايا العسكرية التابعة ل «حماس» تم تفكيكها أخيراً في الضفة الغربية، كما ربط اسمه بعملية خطف المستوطنين الثلاثة التي نشب على إثرها عدوان 2014 على غزة. وكانت إسرائيل أطلقت فقهاء ضمن «صفقة شاليت» عام 2011 بعدما حكمت عليه محكمة قبلها بنحو عشر سنوات، بالسجن المؤبد تسع مرات و50 عاماً بعد ادانته بالمسؤولية عن عملية فدائية في مدينة صفد شمال فلسطين التاريخية قُتل فيها تسعة إسرائيليين، وجُرح عشرات آخرون. ونشرت وسائل إعلام فلسطينية عن نظيرتها الإسرائيلية مخططاً لجهاز الأمن العام الإسرائيلي «شاباك» لقيادات من «حماس» ينوي اغتيالها. وكان على رأس القائمة هنية ورئيس هيئة أركان «كتائب القسام» مروان عيسى الذي حل محل أحمد الجعبري القائد السابق الذي اغتالته إسرائيل عام 2012. وتلا هنية وعيسى على القائمة القياديون في الحركة فتحي حماد ومحمد الضيف وصالح العاروري الذي تتهمه إسرائيل بأنه مسؤول عن فقهاء، والقيادي في «القسام» عبدالرحمن غنيمات. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان صرح بداية الشهر الجاري عندما سُئل في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن عدم رد الجيش على إطلاق عدد من الصواريخ من القطاع، وهل للأمر علاقة بتهديدات «كتائب القسام» برد قاس، قائلاً: «لا ينبغي تعويد حماس على أسلوب رد روتيني».