يحيط الكثير من الغموض مصير عملية محادثات آستانة، التي انطلقت مطلع العام الحالي، بمبادرة روسية بالتوافق مع تركيا، والغموض سببه مقاطعة الفصائل العسكرية السورية المعارضة الجولة الثالثة من المحادثات. فقد اتهم عضو الهيئة العليا السورية للمفاوضات محمد علوش روسيا بأنها تقدم وعوداً كبيرة على طاولة المفاوضات، بينما على الأرض واقع مختلف تماماً، كما أرجع قرار المقاطعة لاستمرار القصف والحصار واتفاقات التهجير في أكثر من منطقة سورية. وفي هذا السياق أكد قاسم جومارت توكايف رئيس مجلس الشيوخ في البرلمان الكازاخستاني ل «الحياة»، أن اتفاقية جنيف-1 تظل حتى الآن المرجعية الدولية الوحيدة في الصراع السوري. وأضاف أن رؤساء روسياوتركيا وإيران تقدموا بعرض لرئيس بلاده نور سلطان نازارباييف لإجراء محادثات في شأن التسوية السورية في العاصمة آستانة، وجاء ذلك رداً على سؤال حول العوامل التي جعلت عاصمة كازاخستان تستضيف المحادثات السورية أواخر كانون الثاني الماضي، حيث اتجهت الأنظار نحو كازاخستان بعد وساطتها الناجحة في المصالحة الروسية - التركية. وأعتبر المسؤول الكازاخستاني أن اختيار آستانة بدا منطقياً تماماً كمكان لإجراء محادثات حول التسوية السورية، إذ تتمتع كازاخستان بعلاقات ثقة متبادلة مع جميع الأطراف المعنية بالملف السوري. وأكد توكايف، الذي سبق أن شغل منصب رئيس وزراء ووزير خارجية بلاده، أن إنهاء الحرب في سورية وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في شكل عام، يصب في مصلحة كازاخستان، التي تعد من أكبر دول أوراسيا، وهي جزء من العالم الإسلامي، وكذلك عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2017- 2018. وحول ما حققته محادثات آستانة، قال الديبلوماسي الكازاخستاني المخضرم: أولاً، حدوث الاجتماع في آستانة أمر مهم، حيث كان من الصعب جداً جمع كل الأطراف على طاولة واحدة، لا سيما أولئك الذين يقاتلون ضد بعضهم بعضاً. ثانياً، اجتماع آستانة، وضع الأساس لوضع حد للعنف والتقارب بين الفصائل السورية المختلفة، بما في ذلك المسلحة، ثالثاً، تم الاتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وقف إطلاق النار وضمان تنفيذه بالكامل. وتابع توكايف: من المستحيل حل جميع المشاكل في غضون يومين بعد 6 سنوات من الحرب الدامية، ولكن نأمل أن آستانة كانت بداية عملية من أجل استعادة الاستقرار والتنمية في سورية، ونحن نتحدث عن القضاء على الكراهية المتبادلة التي تراكمت على مدى سنوات من الحرب الوحشية. وحول الفترة التي شغل فيها قاسم جومارت توكاييف منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير العام لمنظمة الأممالمتحدة في جنيف، حيث كان شاهداً على بدء التفاوض في الملف السوري هناك، قال توكايف: في ذلك الوقت قمت بتنظيم أول مؤتمر دولي حول سورية «جنيف - 1» الذي عقد في 30 حزيران (يونيو) عام 2012، وأسفر الاجتماع عن بيان جنيف و «مجموعة العمل في شأن سورية»، وتظل هذه الوثيقة حتى اليوم المرجعية المؤسساتية الدولية الوحيدة في الصراع السوري. وتابع: جنيف هي منصة حوار الأممالمتحدة في شكل كامل، وعلينا أن نبذل كل جهد ممكن لتعزيز الدور المركزي لهذه المنظمة العالمية في الشؤون الدولية، لكن آستانة تمكنت من توفير عملية غير مسبوقة من أشكال التفاوض، فقد قدمت منصتها للمشاركين وساطة دولية واسعة ومتعددة الأطراف، ولعبت كازاخستان دوراً مهماً في ذلك، وقد تم في آستانة اختبار الثقة السياسية بين الأطراف المتحاربة، ومن أجل تحقيق السلام في سورية نحتاج إلى استخدام كل الميزات والجهود. وحول ما إذا كانت لدى كازاخستان وصفة أو مبادرة للحل في سورية، قال توكايف إن الحقيقة الثابتة اليوم هو أنه لا توجد وصفة عند أحد للحل في سورية، فهناك الكثير من التناقضات، وإضافة إلى التناقضات بين الطرفين السوريين، هناك أزمة جيوسياسية، ومشاركة غير مسبوقة في الحرب من جانب منظمات إرهابية. أما وزير خارجية كازاخستان، خيرات عبد الرحمنوف فقال ل «الحياة»، إن التوقعات من المفاوضات في شأن سورية في آستانة كبيرة جداً، لأنها يمكن أن تسهم في اتخاذ قرار نهائي في شأن سورية على رغم أن المرجع الرئيسي للمحادثات في جنيف». وأضاف الوزير الكازاخستاني: «الأمر المهم أننا نعتبر منصة جنيف هي الرئيسية في عملية التسوية في سورية، وهذا الاجتماع (آستانة) هو مساهمة واحدة، وآمل بأن تكون مساهمة إيجابية في النتيجة الناجحة لمحادثات جنيف». واختتم عبد الرحمنوف بالقول، إن محادثات آستانة هي متممة للمحادثات الرئيسية في جنيف تحت رعاية الأممالمتحدة. وبدت مفاوضات آستانة عسكرية أكثر منها سياسية، إذ تهدف أساساً إلى تثبيت اتفاق وقف النار في البلاد في ظل مشاركة وفد سياسي وعسكري يمثل النظام السوري، وآخر يمثل المعارضة المسلحة. وقال ألكسندر لافرينتيف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ورئيس وفد روسيا إلى محادثات آستانة، ل «الحياة»، بعد انتهاء جولة محادثات آستانة 2: استطعنا أن نشكل محادثات آستانة التي تقوم بالعمل المباشر مع من يسيطر على الأرض في سورية، ويتحمل المسؤولية عن الناس المسالمين والمدنيين في هذه المناطق. وإذا ما كان يوافق على تصنيف حوار آستانة بأنه تقني عسكري، بينما جنيف تبحث في العملية السياسية، قال المسؤول الروسي إن آستانة لا تقتصر على القضايا العسكرية، وفي المستقبل قد تناقش التسوية السياسية إذا اقتضى الأمر.