نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    منتدى المدينة للاستثمار.. يراهن على المشروعات الكبرى    انطلاق منافسات سباقات الخيل في ميدان الفروسية بالدمام الجمعة المقبل    عبد العزيز بن سعد يشهد الحفل السنوي لجمعية الأطفال ذوي الإعاقة بحائل 2024    المملكة تُطلق الحوافز المعيارية لتعزيز الصناعة واستقطاب الاستثمارات    مدرب البحرين مازحاً: تمنياتي للعراق التوفيق في كأس العالم وليس غداً    سفير المملكة لدى أوكرانيا يقدّم أوراق اعتماده للرئيس فولوديمير زيلينسكي    خطة تقسيم غزة تعود إلى الواجهة    225 مليون مستفيد بجمعية هدية الحاج والمعتمر    مسفر بن شيخة المحاميد في ذمة الله    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    فرصة لهطول الأمطار على الرياض القصيم الحدود الشمالية والشرقية    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. عبدالله السلامي    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    "الوعلان للتجارة" تحتفل بإطلاق "لوتس إمييا" 2025 كهربائية بقدرات فائقة        "البروتون" ينقذ أدمغة الأطفال.. دقة تستهدف الورم فقط    الترفيه تعلن عن النزالات الكبرى في فعالية UFC ضمن «موسم الرياض»    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    قبل عطلات رأس السنة.. أسعار الحديد ترتفع    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    محمد بن سلمان... القائد الملهم    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لتعزيز الروابط النيابية وتوعية الجمهور.. تدشين الموقع الالكتروني لجمعية النواب العموم العرب    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العثماني: الإصلاح السياسي يتم بأدوات سياسية وليس بأدوات دينية
نشر في الحياة يوم 30 - 04 - 2014

لا يبدو أن حقيبة «الخارجية» في بلد مهم إقليمياً ودولياً مثل المغرب مغرية مثلما يتوقع الكثيرون بالنسبة إلى رئيس برلمان حزب العدالة والتنمية الدكتور سعدالدين العثماني، فما إن وصلت المفاوضات «عتبة العثماني» حتى كان أسرع الوزراء الإسلاميين إخلاء لموقعه، وأفسح الموقع الثاني في الوزارة بلا تردد لوزير من طيف سياسي آخر. ومع أن ترك العثماني موقعه اعتبر من جانب أطراف من التيار الإسلامي المغربي تضحية بالرجل المناسب في المكان المناسب، من جانب رفيقه الحزبي رئيس الحكومة، إلا أن الطبيب النفسي يبدو أنه تصالح مع الوضع وأعدّ له نفسه باكراً، فلم تمضِ غير أسابيع من ترك الوزارة حتى أصبحت «عيادته النفسية» جاهزة لاستقبال روادها. ومع أن وجود بديل متواضع كهذا لا يغري عادة بالتخلي عن منصب سياسي في مقام «الخارجية»، إلا أن الفقيه الحزبي أوضح أن دوره الدعوي والحزبي أكبر من الآخر في الوزارة، فما كان ممن يخشى البطالة بعيداً عن السلك الحكومي، خصوصاً أن آخرين رأوا خروجه فرصة لحزبه لينشغل ببناء قواعده، في وقت يغرق فيه رفيقه في النضال بن كيران في أعمال الحكومة والبلاد اليومية. العثماني السياسي متحفظ جداً، ولا يكاد يتحدث عن الماضي إلا رمزاً، ناهيك عن الحاضر الذي يسهل الاعتذار عنه لشخص أدى الأمانة إلى أهلها، فيما يأتي الفقيه السوسي أكثر بسطة في العلم والأفق. في حواره مع «الحياة»، تنقل بين تاريخ الملفات التي تسلمها في الخارجية، إلى القضايا الفكرية والحزبية والأصولية والفقهية، وحتى في الجانب النفسي، سمح العثماني لقرائه باستثمار خلفيته كطبيب نفسي، فحلّل نفسية الاستبداد عند العرب والمسلمين، وفسّر بها واقع تهميش المرأة من جانب الرجل، الذي حمّل الدكتور عقل اللاوعي لديه وزر أفعاله، فيما لم يبرئه من تبعات ذلك، لا هو ولا المجتمع ولا الفقهاء الذين اتهم عدداً منهم بتحميل الشريعة أخطاء أعراف عربية خلطوها بالنصوص المقدسة. في ما يأتي نص الحوار.
كنت آخر من يتوقع الناس خروجه من حكومة الإسلاميين الأولى بالمغرب، فهل ضحى بك أصدقاء النضال؟ - أثمن الاهتمام الذي أعطاه الناس لخروجي من الحكومة. ولكني فاعل سياسي واجتماعي ودعوي، وظيفتي في هذه المستويات أوسع بكثير من أي مسؤولية حكومية. وبالتالي أنا سأستمر في موقعي عضواً في حزب العدالة والتنمية وعضواً في قيادته وبوصفي رئيساً للمجلس الوطني الذي هو برلمان حزب العدالة والتنمية في العمل للأهداف نفسها التي ناضلنا وعملنا من أجلها طوال ثلاثة عقود من الزمان، في إطار العمل الدعوي والإصلاحي. هدفنا هو مزيد من الاستقرار والأمن لبلدنا، ومزيد من الديموقراطية واحترام المواطن وإعطائه حقوقه، ومزيد من الفعالية الاجتماعية التي تعطي المغرب مزيداً من الدور، وإن كان هو في الأصل متألقاً اليوم، بالنظر إلى ما تشهده بقية دول جنوب المتوسط من صعوبات في هذه المرحلة. في رأيي العمل من موقعي كمناضل حزبي واجتماعي أهم من موقع العمل في الحكومة، فأنا بالنسبة إليّ هذا التحول لا يطرح أي إشكال. لكن عدداً من أقطاب التيار الإسلامي يرون أن ثمة قصة خفية وراء خروجك أو إخراجك من الحكومة، وهم يرون أنك لم تكن مرفوع الرأس بخروجك هذا، حتى وإن أكد رئيس الحكومة العكس؟ - الجميع تابع الأزمة التي دخلت فيها الحكومة منذ أن استقال وزراء حزب الاستقلال، وطالت مدة المفاوضات مع حزب الأحرار، ولا شك في أن السياق الداخلي لديه تأثيرات كبيرة، ولا يمكن للحكومة أن تستمر في حال المنزلة بين المنزلتين بالنسبة إلى وزارات حيوية، ومع قرب افتتاح السنة التشريعية الجديدة كانت هناك اشتراطات كثيرة، وكان من بينها حسم تشكيل الحكومة، فطرح تولي رئيس حزب الأحرار حقيبة الخارجية بدلاً من المالية التي طلبها في البداية، فلما طرح عليّ الموضوع لم أمانع بالمرة، واعتبرت أن إفساح الطريق لتشكيل الحكومة الجديدة وإزالة هذه العقبة أفضل بكثير من البقاء في حوارات إلى ما لا نهاية. المسؤولية في الوقت «الجيد» تقلدت منصب وزير الخارجية في فترة حرجة من تاريخ المنطقة، وكانت الخارجية أشبه بكرة الثلج، هل لك أن تختصر لنا كيف تعاملت معها؟ - المغرب بسبب عوامل عدة، أولها المسار التاريخي للتجربة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم، وهو المبني على تاريخ حضاري غني يمتد قروناً طويلة، وهو المسار الذي انبنى بعد الاستقلال على التعددية السياسية، والانفتاح على مختلف التوجهات السياسية في البلد. وذلك على رغم مرور المغرب بمراحل صعبة، لكنها كانت مراحل سرعان ما تمر وتترك المجال للانفتاح السياسي يعود تدريجياً، وعَرِفَ المغرب في الآونة الأخيرة، خصوصاً منذ عقد ونصف العقد من الزمان تقريباً، انفتاحاً سياسياً مقدراً، مع تطوير للمنظومة الدستورية والآليات الديموقراطية، ولمنظومة حقوق الإنسان للمجتمع المدني. وهذا كله أعطى المغرب ألقاً في محيطه «الإقليمي» والدولي، حتى أصبح عنده الوضع المتقدم في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت له علاقاته الدولية المميزة، ولذلك فإن وزارة الخارجية تجد نفسها في وضع جيد، وفي تجربة يمكن أن يدافع عنها، إذ إن وزارة الخارجية في العالم كله أول وظائفها الدفاع عن مصالح البلد الذي تمثله، سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي والثقافي، والعمل في مختلف الوزارات والإدارات أعطى إشعاعاً للبلد، وانطلاقاً من هذا اشتغلنا على مختلف الملفات التي تهم المغرب. أنت تتحدث هنا عن عمل روتيني لأي وزارة خارجية، ولكن لأي شيء أعطيت الأولوية، وكيف وجدت النتائج؟ - بطبيعة الحال لملف الصحراء المغربية ومواجهة الانفصاليين، عبر التوضيح والدفاع في المنتديات الجهوية والدولية عن رؤية المغرب لحل المشكلة. وكذلك اهتمت الديبلوماسية المغربية في الفترة السابقة بمد الجسور مع أصدقاء المغرب، وتعميق العلاقات مع مختلف البلدان الإسلامية والعربية والأفريقية، بحسب سياق علاقاتنا مع تلك البلدان التاريخي منها والثقافي والاقتصادي. هذا بوجه عام، ماذا عن الانفراج الذي تفخر بأنك حققته في تلك الملفات إبان عملك؟ - أظن أن ما يخص السياسة الأفريقية أعطيناه أهمية كبيرة، فالزيارات والاتفاقات التي أبرمت واللجان التي عقدت، ضربت في الفترة الماضية رقماً قياسياً، وهو ما ترجم أهمية العمق الأفريقي بالنسبة إلى المغرب، وأظن أن أصدقاءنا الأفارقة أحسوا بهذه الدفعة التي حاولنا أن نعطيها لهذه السياسة، وكنت في هذا مدعوماً بمبادرة الملك محمد السادس واهتمامه الخاص بأفريقيا.
الصحراء ليست أساس الخلاف مع الجزائر! بالنسبة إلى ملف الصحراء وما يتصل به من العلاقات مع الجزائر، كنت بادئ الأمر متفائلاً وكذلك أطراف إسلامية عدة، في تسجيل خطوة نحو الأمام، فما الذي أعاد الموضوع إلى المربع الأول؟ - في الواقع الملف لم يُصبْ بانتكاسة كما تصور، بل كل قرارات مجلس الأمن منذ 2007 تسير في اتجاه مباركة الرؤية المغربية، وبالنسبة إلى العلاقات مع الجزائر قطعنا شوطاً لفترة، ثم عادت الأمور إلى التوتر، وأظن أن ملف الصحراء لا يشكّل أساساً للخلاف بين البلدين، فنحن دائماً نقول إن هذا الملف أحيل إلى مجلس الأمن، ويتابعه الأمين العام للأمم المتحدة، فلذلك كان ينبغي أن نتركه للديناميكية التي يسير بها مجلس الأمن، من دون أن نتدخل نحن، ومن دون أن يؤثر ذلك في العلاقات الثنائية بين بلدينا، طبعاً بشرط ألا تكون هناك أي تصرفات مسيئة من الطرف الآخر ضد المغرب. هناك ملفات تتعلق بالشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول الخليج.. ما هي الخطوات التي تعتقدون أنكم أحرزتم بها تقدماً في هذا الجانب؟ - مجرد توقيع شراكة استراتيجية بين المغرب ودول الخليج أمر في غاية الأهمية، وهناك 9 فرق تشتغل في مختلف المجالات لوضع برامج للتعاون في إطار هذه الشراكة، وبالتالي هناك الكثير من البرامج العملية في هذا المجال، والزيارات متتابعة في هذا الميدان، وحدثت في إطارها لقاءات وزارية عدة، ونتائج وتوصيات عملية مباشرة. أما مقترح الانضمام فكان فكرة وتطوّر ليصبح شراكة استراتيجية، وأظن الشراكة نوعاً من الانضمام، وهي وإن كانت أقل من الانضمام بقليل إلا أنها من أعلى درجات التعاون بين الدول، ولنتمَّ برامج هذه الشراكة التي اتفقنا عليها ثم بعد ذلك ننتقل إلى مستوى أعلى. ماذا عن التقارب الأميركي - الإيراني الذي أثار نقاشاً في الخليج؟ - نحن داعمون للمواقف الخليجية في ما يخص إيران، وضد تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الخليج، ومواقفنا واضحة يعرفها الخليجيون، وفي ما يخص التطورات الأخيرة للأزمة السورية، فالمغرب عند الموقف الأول الذي اتخذه منذ البداية، وهو أنه يدعم أي حل سياسي يضمن للشعب السوري أن يعيش في ظل دولة ديموقراطية يختارها، تحترم حقوق الإنسان.
علاقة الدين بالسياسة دقيقة دعنا ننتقل إلى الشق الفكري، ففي إحدى مقالاتك تشير إلى التمييز بين الديني والسياسي، وأن العلاقة بين الاثنين علاقة تمييز لا فصل، في وقت يرى فيه كتاب مغاربة مثل توفيق أبوعشرين أنه من غير المفهوم أن يكون شخص عضواً في مؤسسة دعوية ثم يمارس السياسة وفق النهج العلماني، في إشارة منه إلى تناقض الفلسفتين.. فهم يتحدثون عن أن معظم المنتمين للحزب الحاكم «المنفتح» أعضاء في حركة دعوية «يطبعها الجمود الفكري» كما وصفوها، إلى درجة جعلت بعض أعضاء بيتها ينتقدونها، فوجدوا في هذا تناقضاً يجب إصلاحه.. فما رأيك؟ - أنا أقول حركة التوحيد والإصلاح حركة تجديدية وإلا ما قطعت أشواطاً طويلة في مقاربتها العديد من القضايا وفي مقدمها المشاركة السياسية، ومنذ التسعينات وهي قضية نقاش، ومن ثمرتها خروج جيل كامل أصبح مكوناً لحزب العدالة والتنمية في نهاية المطاف، فهذا جزء من التجديد. وهي على أنها ليست حركة سياسية إلا أنه في جميع أنحاء العالم هناك حركات اجتماعية كثيرة بما فيها حركات ذات طابع ديني وتمارس العمل السياسي في الوقت نفسه، مثلاً في أوروبا وفي أميركا هناك ليس ناشطون فقط بل رهبان في أحزاب سياسية، المهم كيف يمارس العضو العمل السياسي، هذا هو السؤال، وإلا ستصبح الديموقراطية إقصاءً. هم يرون أن المسافة بين الحزب والحركة متباعدة في الأفكار، فما يراه الحزب مباحاً في ممارسته السياسية، تراه أدبيات الحركة حراماً وهذا تناقض معيب في نظرهم، كيف ترد؟ - الإشكالات المطروحة على الحركة ليست نفسها المطروحة على الحزب، وإن كان كثير من أعضاء الحركة أعضاء في الحزب، فيحدث التفاعل بين المجالين. أيضاً أحد الكتاب أعطاك مثلاً على الازدواجية بين الحركة والحزب، فمرجعية الحركة إسلامية، ومرجعية الحزب دستورية، وليس بالضرورة أن يكون جميع ما ينص عليه الدستور مطالباً بالتبرير دينياً؟ - هذا إشكال مغلوط، لأن الدستور نفسه يضع المرجعية الإسلامية هي أصل الدولة، لذلك هذا إشكال غير مطروح. ذكرت صحيفة مغربية أنك قلت إن الإصلاح لا يكون بالوعظ والإرشاد، كأنك وأنت الداعية كما أشرت في بداية الحوار تقلل من وظيفة الأنبياء الأولى، كما فهم البعض؟ - عندما أريد أن أطبخ طعاماً لن أطبخه بالدعاء، ولكن لا بد من أن أضعه على النار ليطبخ. إذاً هناك أسباب واضحة خلقها الله في الكون، سماها الله «السنن» في قوله سبحانه، «ولن تجد لسنة الله تبديلاً»، لا بد من الأخذ بها للوصول إلى النتائج، وبالتالي عملية الإصلاح تحتاج إلى فهم، فهم الطرق التي يمكن الوصول بها إليه، لا يتم هذا بمجرد الوعظ والإرشاد، هذا صحيح. أنا أعطيت مثالاً، وهو أنه في سلم ممارسة الرشوة اليوم في العالم، الدول الإسلامية عموماً ليست في المقدمة مع أنها إسلامية، والمسلمون من ناحية المبدأ يجب أن يكونوا أبعد الناس عن الرشوة. لكن هذا مع الأسف غير موجود. لماذا في ظنك؟ - لأنه في مقاربتنا لحل قضية الرشوة نستعمل آلية الوعظ وحتى آلية التحسيس والإعلام أكثر من أن نسلك أدوات موضوعية وأسباباً تؤدي إلى تقليص وجود الرشوة في المجتمع. بمعنى أننا نعوّل على الإصلاح الفردي وعلى خلقه أكثر مما نعوّل على الآليات الدستورية والقانونية والتنظيمية، التي تؤدي إلى تقليص فرص الرشوة وبالتالي الرشوة. أنا لا أقلل من أهمية الوعظ والإرشاد بطبيعة الحال، وإنما هو آلية واحدة من آليات كثيرة لا بد من أن تتضافر للإصلاح. هل نفهم من هذا أن الخطاب الإسلامي الذي يعدّ الوعظ أهم مفرداته ليس له أي دور مهم في الإصلاح؟ - هو مثل كتابة الصحافة عن أي ظاهرة، فكتابتها مهمة لأنها تشير إلى المشكلة، لكن لا يكفي، فلا بد من سلوك الوسائل الموضوعية لحل المشكلة. الوعظ والإرشاد كلام، إن لم يشفع بعمل فسيبقى أثره محدوداً.
لهذا لسنا حزباً إسلامياً في غمرة الحديث عن «الإخوان» في مصر أعلن رئيس حزبكم أن «العدالة والتنمية» ليس حزباً إسلامياً ما أثار استغراب الكثيرين، وبما أنك أهم منظّري الحزب، فهل هو إخواني أيضاً، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فما هو؟ -أولاً، حزبنا ليس إخوانياً بالمرة! هل لأن الإخوان مطاردون، أم أن هذا موثّق من قبل؟ - هذا موثق من قديم، قلت في حوارات صريحة هذا الأمر، وليس سراً، فلم تربط حزب العدالة ولا حركة التوحيد والإصلاح أي علاقة تنظيمية بالإخوان. وثانياً: هل نحن حزب إسلامي، نقول ليس حزباً إسلامياً، ولكن ما معنى إسلامي؟ قلنا إنه ليس كذلك لأن «إسلامي» ترجمة ل«إسلامس» بالإنكليزية، فبهذا المفهوم ليس إسلامياً، فنحن لسنا حزباً دينياً وإنما حزب سياسي بمرجعية إسلامية، وبين الأمرين فرق كبير. ما هي أهم تلك الفوارق التي يمكن أن يفهمها الإنسان العادي، فدستور الدولة الذي يحكم كل أحزابها وهيئاتها قلت إن مرجعيته إسلامية؟ - أول الفوارق، أن الحزب لا يشتغل على الشأن الديني، لأن الشأن الديني هو من مهمات العلماء والدعاة والخطباء ومعهم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، والحزب لا يقوم بتلك المهمة، مهمته الإصلاح السياسي بأدوات سياسية وليس بأدوات دينية. بحسب ما تم تلقينه للإنسان العادي إذاً أنتم حزب علماني كسائر الأحزاب؟ - أنا لا أسميه علمانياً، من أراد أن يسميه شيئاً فليسمِّه. (ضاحكاً)، وهناك تداعيات أخرى، فنحن عندما نناقش أي قضية في الحزب لا نرفع في نقاشها شعارات دينية، وإنما سياسية، بوصفها قضية تدبير شأن عام، وليست مسألة دينية. وهذه قضية فصلها العلماء في بعض دول العالم الإسلامي منذ قرون، عندما فرقوا بين الوظائف الدينية مثل المفتي العام والقاضي وهكذا، والدنيوية مثل الخازن ورئيس بيت المال، ورئيس الحرس، وتخطيط المدن، فيميزون بين هذين المستويين، وهذا شيء مهم، لكنه ليس جديداً. هل هذا يعني أن هناك علمانية إسلامية مبكرة، أم أنت تخشى من هذا المصطلح؟ - لا أخشى من أي مصطلح، إنما العلمانية نفسها مصطلح غير متفق على دلالته، وهناك إشكالية لدى العقل المسلم وهي أن كثيراً من المصطلحات الناشئة في غير بيئته يحاول توطينها وجعلها مرجعاً. أنا أرى أنه يمكن أن نفهم تلك المصطلحات، لكن لدينا مفاهيمنا الخاصة التي ربما التقت معها، وليست هناك أي مشكلة إن التقت معها، ولكن نحللها أولاً بحسب مفاهيمنا وبحسب ثقافتنا.
«الإخوان» ليسوا دائماً أكثرية ذكرت سابقاً أنكم لم تكونوا إخواناً قط، ما السر في ذلك، خصوصاً أن حركة الإخوان تأثر بها معظم إسلاميي البلدان العربية الحركيين، كما أفرزت الآن الثورات العربية؟ - صحيح أن الإخوان المسلمين لديهم فروع وممثلون في العديد من الدول العربية، ولكن في الوقت نفسه هناك هيئات إسلامية ذات توجهات أخرى ليست منتمية إلى «الإخوان» في تلك الدول نفسها، والإخوان لا يمثلون الأكثرية الإسلامية في كل الدول الإسلامية، وأنا في حرج من الحديث عنهم في هذه المرحلة. ولكن المغرب ظلّ دولة إسلامية منذ 12 قرناً، دولة مستقلة بنظامها الملكي، واستعصى على الذوبان في أي كيان آخر، وهذا أعطى حتى للحركة الإسلامية نوعاً من الاستقلالية في إطار هذا الكيان الذي هو مستقل دائماً، هذا عنده تأثير معيّن، وأيضاً في فترة من الفترات نتيجة الصراع الذي كان بين النظام الملكي من جهة والحركات اليسارية من جهة أخرى، كان هناك إشكال التبعية للخارج، فحذراً من أن تكون هناك تبعية للخارج من جانبنا، حاولنا أن ننأى بأنفسنا عن اتباع أي طرف سياسي أو تنظيم دعوي خارجي، لنصوغ تجربتنا المغربية بمفاهيمها الخاصة. لكن معظم الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي اعتادت على الانتماء إلى تيار ديني معيّن، سلفي، إخواني، تبليغي، صوفي.. فهل أنتم كذلك استثناء؟ - نحن فقط سنّة، سوى ذلك لسنا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك، نأخذ من كل طرف ما نراه جيداً وصالحاً لواقعنا، نستفيد من الجميع، ولا حرج في ذلك.
تمرير الحداثة باسم الدين هناك قراءة أخرى تقول إن حزب العدالة «سلفي» بنكهة مغاربية، بدليل أنك وأنت أهم منظّري الحزب، في دفاعك عن المشاركة السياسية، كانت الشخصية السلفية العريقة «ابن تيمية» هي رسولك إلى المتلقين لخطابك ودروسك؟ - ابن تيمية ليس حكراً لأي مدرسة، وهو للأمة كلها، وليس لدينا حرج بأن نأخذ منه كما نأخذ من الإمام مالك والشاطبي، وننتقي منهم جميعاً ما يصلح لواقعنا وسياقنا، وليس معنى ذلك أن كل ما قاله ابن تيمية صحيح. وفي واقع الأمر أن أكبر مداراة للعقل المسلم في تمرير الأفكار الحداثية أن تستند إلى الدين، ونختار أكثر المستندات انسجاماً معها من مفاهيم وشخصيات، وقديماً أكّد كثير من الكتّاب الذين درسوا تاريخ التطور في العالم الإسلامي، أن الحركات العلمانية، خصوصاً المتطرفة، كانت سبباً في نفور الناس من مفاهيم كثيرة صالحة في الحضارة المعاصرة، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان والنهوض بوضعية المرأة. لماذا؟ لأنهم أتوها من زاوية علمانية فنفر منها الناس، بزعم أنها مضادة للدين، ولكن لما أتى بعض المفكرين الإصلاحيين والعلماء المصلحين، استطاعوا تبيين أنها ليست معارضة للدين فقبلت من المجتمع. وأيّد الناس كثيراً من القضايا التي كانوا يرفضونها، لأن الدعاة الأوائل لتلك الأفكار لم يحاولوا وضعها في قالب منسجم مع دين المتلقي وتاريخه وثقافته، وأظن أن هذا من مداخل الإصلاح الأساسية. حتى المنظمات الدولية، في كثير من الأمور، تحاول أن تستجيب لهذه الحقيقة، فتضع في تمهيد بعض النشرات آية أو حديثاً.
الإسلام ليس «حركة تعريب» بين القضايا التي تحضر في النقاشات كافة في المغرب «الأمازيغية»، حتى اعتبرت ضد الإسلام من جانب بعض أقطاب الفكر العروبي، وأنت إسلامي وتدافع عن اللغة الأمازيغية، كيف ذلك؟ - الإسلام ليس حركة تعريب للشعوب، بدليل أن أكثر المسلمين اليوم لا يتكلمون العربية وليسوا عرباً، وبالتالي يمكن أن نكون مسلمين وندعو إلى الإسلام بلغات متعددة، ولا حرج في ذلك، ولكن مع الأسف في بعض المجتمعات الإسلامية نتيجة لبعض التراكمات، أصبح هناك تطابق بين العروبة والإسلام، وهذا نتيجة لسياق اجتماعي وتاريخي فقط، وإلا فإن معنى هذا أن إسلام كثير من المجتمعات في إندونيسيا وتركيا وباكستان وغيرها ناقص، وهذا لم يقل به أحد من العلماء ولا العقلاء. لكن كيف ينظر التيار الإسلامي إلى هذه القضية في المغرب؟ - التيار الإسلامي متنوع ومختلف، وآراؤه ليست موحدة، وأنا شخصياً بوصفي أمازيغياً لا أقبل أن تقتل لغتي بذريعة الدين. الآن أطلس اللغات الذي تصدره «يونيسكو» يصنف الأمازيغية بأنها من اللغات المهددة بالانقراض بعد 40 عاماً فقط، إذا استمرت الشروط الحالية نفسها، فنحن من واجبنا أن نأخذ بالوسائل التي تضمن لهذه اللغة أن تبقى حية ويُتكلم بها، ومن لا يريد أن يتكلم بها هذا شأنه. لكن لماذا حزبكم لا يجعل هذه القضية ضمن قضاياه وأنت أمازيغي؟ - هذا من التقصير الموجود في عمل الحزب، ولكن ليس السبب أن الاهتمام بالأمازيغية ضد الإسلام، أو أن قضية الأمازيغية مفتعلة في المغرب، فهي لغة باتت مهددة بالانقراض.
يتساهلون في طاعة «ولي الأمر» ... ويتشددون في طاعة الزوجة لزوجها! في جانب من نقاش الفقيه المغربي الدكتور سعدالدين العثماني لنفسية الاستبداد ضد المرأة، شدد في حديثه إلى «الحياة» على تناقض تيارات إسلامية حتى في تشددها، عندما تغالي في مطالبة المرأة بطاعة الزوج على كل حال، ثم يرون لطاعة ولي الأمر شروطاً مشددة! وقال: «الغريب أن من يفسّر الطاعة التي أمرت بها المرأة لزوجها بالمسايرة التامة والتبعية الكاملة ومنعها حق المراجعة والمناقشة والمخالفة، ربما يتبنى أكثر الآراء تشدداً في النظرة إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي تقييد الطاعة المأمور بها لولي الأمر بقيود شديدة من الشورى واحترام الآراء وتوفير الحريات والنزول عند رأي أهل الحل والعقد، وقد نجده أخنق الناس للحريات في بيته وأقلهم التزاماً بالشورى فيه». وبعد سوق العثماني شواهد من أقوال فقهية أثبت بها حالة التناقض التي أشار إليها، تابع: «طاعة المرأة لزوجها تنطبق عليها ضوابط طاعة ولي الأمر نفسها وزيادة، فكما لا تجوز الديكتاتورية هنا فلا تجوز هناك، وكما يجب على ولي الأمر أن يشاور ويحترم الرأي الآخر ولا يستذل ولا يطلب ذوبان الفرد من الشعب فيه، فكذلك في الأسرة يجب كل ذلك على الزوج وزيادة».
«أعراف عربية» ألزم بها الفقهاء النساء... وظنوها من الشرع! في جانب اختلاط العرفي بالديني الأصيل يشير الدكتور سعدالدين العثماني في حواره مع «الحياة» إلى ما أورده في بحث منشور له عن «قضية المرأة ونفسية الاستبداد»، شدد فيه على أن أموراً كانت عرفاً للعرب أو بعضهم وقت نزول الرسالة، وربما تجد فقهاء يدافعون عنها ويهاجمون مخالفهم فيها. وقال (ص43): «يصعب استقصاء مظاهر انتقاص المرأة، كما يصعب تتبع مظاهر بناء العلاقات في الأسرة على القهر. لكن نكتفي بالتمثيل ببعضها مما يمكن أن يعتبر أقلها مرتبة. فمن ذلك مثلاً اعتبار المرأة شخصاً قاصراً يحتاج باستمرار إلى الرقابة والوصاية والمتابعة في كل أعمالها وتصرفاتها. ومن ذلك اعتبارها دون مستوى المشاورة واتخاذ القرار، ومن الطبيعي أن تنتج هذه الخلفية زوجاً لا يقبل من زوجته أن تراجعه أو تناقشه في أي شأن من شؤون الأسرة، ويطالبها بالمسايرة التامة والطاعة العمياء». ومضى العثماني حتى أورد حديثاً في البخاري رأى أنه من الأدلة التي تصوّر الواقع الذي أشار إليه ويدحض شرعيته، فيضيف: «في البخاري في حديث طويل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنا في الجاهلية لا نعد للنساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقاً من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا، وكان بيني وبين امرأتي كلام، فأغلظت لي، فقلت لها: وإنك لهناك؟ قالت تقول هذا وابنتك تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم». وفي رواية أخرى: «فلما قدمنا المدينة تزوجنا من نساء الأنصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا». من هذا النص المهم يمكن أن نستنتج استنتاجات عدة مرتبطة بموضوعنا، أولها أن أسلوب التعامل داخل الأسرة بين الزوجين مرتبط بالعرف، فإذا سمعنا أن نساء قريش لا يرفعن رأساً أمام أزواجهن، ولا يراجعنهم القرار، فمن الخطأ أن ينسب ذلك إلى الشرع، وأن تعتبر تلك الصورة هي الصورة المثلى للعلاقة بين الزوجين، وبما يداري الشرع عرف الناس حتى ينضج وعيهم ويرقى مستواهم الاجتماعي والحضاري، فيكونون أكثر استعداداً لتقبل مبادئه في كمالها. ومعهد الفقيه المغربي بذلك ليقيس عليه وضعاً فقهياً عاماً فيضيف: «وكم من أمور كانت عرفاً للعرب أو بعضهم وقت نزول الرسالة، فحسبها الناس بعد ذاك مما أتى به الشرع أو أمر به، وربما تجد من الفقهاء من دافع عنها وهاجم المخالف فيها، بحجة أنها من عمل الصحابي الجليل فلان، أو من سيرة بعض الخلفاء الراشدين. ومثالنا هذا يبين عدم حجة ذلك، ويهدي إلى ضرورة الحذر من أن ننسب إلى الشرع أموراً إنما هي عرف وعادة القوم الذين نزل بينهم، والعاصم من ذلك التمسك بالأصول العامة والأحكام الثابتة غير المختلف فيها، ومحاكمة البقية إليها، وللعلماء في ذلك أصول وقواعد، كما لهم أساليب في المقارنة والتمييز، يجب إطالة النظر فيها واعتمادها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.