ينتخب صحافيو مصر اليوم نقيبهم و6 من أعضاء مجلس النقابة، وسط مشهد يغلفه الاستقطاب الحاد بين تيارين، أولهما يتهم أجهزة الأمن بالتدخل في تلك الانتخابات للتأثير فيها والثاني يتحدث عن محاولة تيار سياسي معارض للحُكم «خطف» النقابة لمصلحته، ودفع الصحافيين في آتون تلك الخصومة. الاستقطاب هو أبرز ملمح في تلك الانتخابات، حتى بات مؤيدو نقيب الصحافيين المنتهية ولايته يحيى قلاش في نظر خصومه معارضين للسلطة وأسرى لتيار يساري يسعى لاختطاف النقابة، فيما مؤيدو منافسه الأبرز عبدالمحسن سلامة في نظر خصومه يُنفذون تعليمات أجهزة أمنية. الفريق الأول يرفع شعار الحريات من دون إغفال الماديات، فيما الثاني يُغري بالماديات ولا يهدر الحريات. ووسط تلك المعركة تترقب السلطة تلك الانتخابات المهمة، علها تضع حداً للصراع الذي تفجر مع النقابة في الشهور الأخيرة، وسيُوثر حتماً في اتجاهات الجمعية العمومية للصحافيين اليوم. وتنعقد اليوم الجمعية العمومية بعد إرجائها قبل أسبوعين لعدم اكتمال النصاب القانوني، لإجراء انتخابات نقيب الصحافيين والتجديد النصفي لمجلس النقابة. ويستوجب بدء الاقتراع اليوم تسجيل 25 في المئة من عدد الصحافيين، أي نحو 2150 صحافيا، في جداول الحضور. وفي حال عدم اكتمال هذا النصاب يتم إرجاء الانتخابات مُجددا لأسبوعين، لكن هذا الاحتمال غير مُرجح. ووفق النظام الانتخابي للنقابة، سيخرج 6 من أعضاء المجلس الحالي أمضوا أربع سنوات في عضويته، لتجرى انتخابات على تلك المقاعد التي يحق لهم المنافسة فيها، وهم أمينها العام جمال عبدالرحيم ووكيلها خالد البلشي وحنان فكري وكارم محمود وأسامة داود وعلاء ثابت، وكلهم يخوضون الانتخابات مجدداً، عدا الأخير. وشهدت العلاقة بين الحكم ونقابة الصحافيين توتراً متصاعداً العام الماضي، بلغ حد إحالة النقيب يحيى قلاش وعبدالرحيم والبلشي على محاكمة جنائية أمام محكمة الجنح، بتهم إيواء فارين من العدالة، وحكم بحبسهم لمدة عامين مع الشغل. لكن استئنافاً على الحكم أوقف التنفيذ. وشكّل الحكم سابقة في تاريخ نقابة الصحافيين في مصر، إذ إنها المرة الأولى على الإطلاق التي يصدر فيها حكم قضائي بحبس نقيب الصحافيين وقادة النقابة أثناء ولايتهم. وكان الخلاف بدأ مع صدور قرار بتوقيف الناشط محمود السقا والصحافي عمرو بدر، وهو يخوض الانتخابات الحالية، لاتهامهما بالتحريض على العنف. ولاذ بدر والسقا بنقابة الصحافيين بعد صدور أمر توقيفهما، ودهمت قوة من الشرطة مقر النقابة، في سابقة أيضاً لم تحدث من قبل، وأوقفتهما. وقال نقيب الصحافيين حينها إنه كان يُجري اتصالات مع مسؤولين لتسليم الصحافي والمدوّن إلى سلطات التحقيق، وردت النقابة على واقعة الدهم بالمطالبة بإقالة وزير الداخلية ومقاضاته وقيادات أمنية. وقررت محكمة جنح مستأنف قصر النيل قبل أيام مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 25 آذار (مارس) الجاري، في الطعن بالاستئناف المقدم من قلاش وعبدالرحيم والبلشي، على حكم حبسهم، لاستمرار المداولة بين أعضاء هيئة المحكمة. وظهر أن المحكمة فضلت عدم إصدار الحكم قبل الانتهاء من انتخابات النقابة، في 17 الجاري، لعدم التأثير في نتائج تلك الانتخابات. وستمثل نتائج الانتخابات حسماً لصراع داخل الجماعة الصحافية نفسها تفجر في أعقاب اقتحام الأمن مقر النقابة، إذ ناصر فريق موقف النقيب ومجلس النقابة في التصعيد ضد وزارة الداخلية، فيما حمل الفريق الثاني النقيب ومجلسه مسؤولية هذا الاقتحام. ودشن هذا الفريق جبهة «تصحيح المسار» التي طالبت النقيب بالاستقالة بعد تلك الواقعة. وعبد المحسن سلامة منافس قلاش الأبرز على مقعد النقيب ضمن من انتقدوا أداءه في تلك الأزمة. وأخرج كل مرشح ما في جعبته قبل الانتخابات بساعات، ففي مؤتمر انتخابي عقده سلامة في مقر جريدته «الأهرام» أمس، أغدق في الوعود الخدمية التي تعهد تنفيذها في حال نجاحه، ملمحاً إلى موافقة الحكومة على تمويل تلك التعهدات، ومنها زيادة راتب النقابة بنسبة هي الأكبر في تاريخها، وتطوير وتجديد نوادي الصحافيين بلا حد أقصى للإنفاق، والاتفاق مع مصارف على تمويل قروض ميسرة للصحافيين، وبناء مستشفى للصحافيين. وشدد سلامة على أنه لن يُغفل مسألة الحريات، وسيعمل على إقرار قانون حرية تداول المعلومات، وسيعيد للصحافي ونقابته هيبتهما وكرامتهما، مؤكداً أنه ليس مرشح الدولة، ووضع علاقته القوية مع مؤسسات الدولة في خدمة الصحافيين، مشدداً على أن هذا الأمر يُحسب له وليس ضده، كونه سيوظف تلك العلاقات في تحقيق مكاسب للجماعة الصحافية. واعتبر الحديث عن أنه مرشح السلطة «مهاترات وإشاعات ومحاولات للتعطيل والتشويش»، لكنه أيضاً شدد على أنه سيسعى لتوحيد النقابة، وإنهاء حال الاستقطاب فيها، وسيمد يده للجميع من دون استثناء. أما قلاش، فقال في مؤتمر صحافي أمس إن النقابة يجب أن تدار من خلال جمعيتها العمومية وليس «الأجهزة الأمنية»، معتبراً أن هناك من يدير حملة ضده هدفها تشويهه «في تدخل فج في شؤون النقابة». وشدد قلاش على أنه ليس خصماً للسلطة، لافتاً إلى أنه حصل على دعم مادي كبير من الدولة أثناء ولايته. ورأى أن مقاضاته ليست «عنوان الانتخابات» الجارية التي «ستحسم مصير كيان نقابي ومصير مهنة». وقال: «كرامة النقابة والصحافيين لا يجب أن توضع أمام توفير بعض الخدمات، لأن من يفقد كرامته لن يوفر أي شيء». وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الصحافي جمال فهمي ل «الحياة» إن «تدخل الأجهزة الأمنية في تلك الانتخابات ملمح بارز لا جدال فيه، وهو أمر محزن. هناك قدر كبير من الأكاذيب والإشاعات يُروج في الإعلام هدفه النيل من قلاش، ما أثر على الطابع الديموقراطي لتلك الانتخابات». ولفت إلى أن «أول انتخابات بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 تشهد عودة التدخل الحكومي والأمني تحديداً في مسارها لنصرة مرشح معين، تعتبره الحكومة مرشحها ويمثلها أكثر مما يمثل الصحافيين أنفسهم». واعتبر أن «هذا التدخل الفج صب في الحقيقية في مصلحة قلاش، فأصحاب الرأي يرفضون هذه الأساليب الرخيصة ومساومتهم على أصواتهم بزيادة رواتب أو تقديم خدمات». وأضاف أن «الاستقطاب الحالي في الحقيقة بين فريق صحافي مهني وفريق آخر أمني، وبينهما جمهور مذهول مما يحدث. تلك معركة انتخابية ذات طابع سياسي بامتياز وستكون لنتائجها انعكاسات ليس على العلاقة بين الصحافة والسلطة فقط، بل على الحياة السياسية في مصر عموماً... نجاح قلاش سيمثل هزيمة لجهاز أمني يشعر أنه أقوى من المجتمع ذاته». أما نقيب الصحافيين السابق الكاتب البارز مكرم محمد أحمد، اعتبر في تصريحات أن الحديث عن تدخل في الانتخابات، ما هو إلا محاولة لتغذية حال الاستقطاب التي سيطرت على النقابة. وأكد أن نجاح سلامة من شأنه القضاء على تلك الحال، لأنه قادر على تجميع الجماعة الصحافية من جديد. وسأل: «كيف يتهم الطرف الآخر السلطة بمعاداته وفي الوقت نفسه يفاخر بأنه حصل من الدولة على أكبر دعم مادي اقترب من 60 مليون جنيه أثناء ولايته؟».