تحولت بعض عادات المجتمع إلى قواعد مقدسة باتت أمضى من تعاليم الشريعة، ما جعل أفراده - سواء حاولوا التمسك بها أو الانفكاك من قيودها - يعيشون أنواعاً من الصراعات بين ذواتهم أولاً ثم مع الآخرين، وللخيال أن يتصور مدى ذلك إذا ما علم أن هناك زوجات يخفين وجوههن عن أزواجهن على رغم تكوينهم أسراً، وعن بعض أفراد العائلة من المحارم والنساء، وأن الأزواج في الوقت نفسه يتعايشون مع الأمر سنوات طويلة كأنهم لا ينتظرون من زوجاتهم أي تعبير من تقاسيم وجوههن أو إطلالة وابتسامة من محيا يسرهم النظر إليه. وذكر مفلح محمد أن زوجته ترتدي غطاء الوجه أمام محارمها بدلاً من اقتصاره على الأجانب، لأنها اعتادت على ذلك منذ أن كانت في المرحلة الابتدائية، ما اضطره للرضوخ إلى رغبتها وعدم النظر إلى وجهها طوال سنوات زواجه العشر، وقال: «لا أستطيع أن أنكر أن تغطية المرأة وجهها في قلب بيتها وعلى محارمها يعد من العادات والتقاليد التي ورثتها قبيلتنا أباً عن جد... لكني توهمت أن تغير المجتمع والانفتاح والتطور الحاصل كفيل باستبعاد بعض منها، خصوصاً أنها لا تمت بصلة للتعاليم الإسلامية»، مضيفاً «على رغم إنجابنا خمسة أولاد إلا أن ذلك لم يشفع لي أن أرى وجهها، ولو مرة واحدة في حياتي». وأشار محمد هلال إلى أنه لم يجد طريقة للتأكد من جثة زوجته والتعرف على ملامحها بعد تعرضها لحادثة سيارة، لإنهاء إجراءات الوفاة، سوى مطالبته أحد رجال الأمن بإلباسها البرقع حتى يتأكد من هويتها، لأنه لم ير وجهها قط إلا من خلال البرقع الذي مكّنه من فك شفرة معالمها وإعلان حالة وفاتها. في حين باءت محاولات إحدى معلمات محو الأمية للمرحلة المتوسطة (فضلت عدم ذكر اسمها) بالفشل عندما حاولت إقناع اثنتين من طالباتها اللاتي ينتمين إلى إحدى محافظات المملكة لم تتجاوز أعمارهما ال18 ربيعاً، بخلع البرقع على الأقل في المدرسة والاكتفاء به خارج أسوارها. وقالت المعلمة: «على رغم شجاعة قرارهما بإكمال تعليمهما بعد فترة من الزمن وحرصهما على اللحاق بركب زميلاتهما، إلا أن تعنتهما في عدم التخلي عن البرقع أسوة بزميلاتهما، اضطرهما إلى اختيار الأمية على وأد تقاليدهما». وأضافت: «بعد توضيح الأمر لهن وكشف وجهيهما على مضض خلال إحدى الحصص، لاحظت عدم قدرتهما على التركيز واحمرار وجهيهما ومحاولتهما الصد عن من حولهما من زميلاتهما». وذكرت أنه عند سؤالها لهما عن سبب ذلك، قالتا بلهجتهما العامية: «يا أبلة ما ندري وين نودي وجوهنا من اللي حولنا»، لتتفاجأ بعدها بسحبهما ملفيهما من المدرسة. ومن جانب المناهضات للمبالغة في لباس البرقع ونحوه، قالت نشمية: «على رغم أننا نلتزم بغطاء الوجه معظم الأحيان، إلا أن رغبتنا في إبداء زينتنا في الأعراس بعد تكلفنا دفع قيمة التسريحات والماكياج في مشاغل التجميل، دفعنا لخلعه أثناء حفلة الزواج... لكن ذلك لم يعجب جدتي التي خيرتني بين ارتداء البرقع والمشاركة في إحياء العرس من رقص واستقبال المعازيم أو المكوث جانباً والتزام الصمت، ما دعاني للرفض والعمل بالخيار الثاني». وفي سياق متصل، قالت عبطة: «حاولت منذ لحظة زواجي أن أغيّر شيئاً من تلك العادات في بيتي على الأقل، وبعد مشورة زوجي المتعلم الذي شجعني على خلعه، أصررت أن استقبل ضيوفي من الأقارب من دونه... لكني قوبلت بنظرات الازدراء والاستحقار، لتخرج إحدى قريباتي عن صمتها وتقول لي عيب ما تستحين على وجهك، إذا كان الأكبر منك ما سووها.. ما دفعني إلى التعوّد على مواجهة جل الانتقادات بقوة وشجاعة وصبر». ومن جهة المؤيدين لغطاء الوجه، أشار المواطن صالح إلى أنه لا يرى حرجاً في تمسّك قلة من نساء قبيلته بتلك التقاليد، «كل مجتمع له عاداته وتقاليده وليس لنا إلا احترامها، وليس في الأمر إجبار، فهناك من ترتدي غطاء الوجه وأخريات لم يتقيدن به». في حين قالت غرسة: «لم يشتكي منا من ترتديه عن اقتناع وعادة متوارثة، بل الكل فينا راضٍ ولا يضر أحداً فعل ذلك».