ما الفائدة التي يجنيها المرء من الثقافة؟ أن يجيب عن سؤال: من أنا؟ أن يبلغ يقظة الوعي الكوني بالفهم، أن يجد القصد في الحياة ومن الحياة، نعم، فالثقافة هي مهمة العمر، ولكن هل الكتب هي كل ما يثقفنا؟ التربية قد تفعل أيضاً، من اختبارات وتجارب ونماذج قدوة، حتى ليمكن للمرء أن يحصل على تربية عالية ولو لم يقرأ الكتب، وإن كانت تربيته ستكون أفضل وأعم وأسمى لو أنه قرأ، وسيظل في حاجة إلى الكتب ليتثقف، ولأن الطبيعة تكره الخواء، فلن تجد رأساً خالياً تماماً، وكل زاوية فارغة في رأسك وآراء غيرك ستندفع إلى حشوها، سواء من الإعلانات والصحف... القيل والقال.. الخطب.. القصص.. الخ، ومن هنا عليك أن تفكر بنفسك ما استطعت، أن تشغل المساحة الفارغة في رأسك بيدك، أي بكتابك الذي تختار. ومع هذا أقول إن عقولنا هي عقول جماعية، ومهما حاولنا الاستقلال بتفكيرنا إلا أننا لا نستطيع التخلص من التفكير الجماعي، وأقصى ما نصل إليه هو بعض الاستقلال الفكري، فأنت حين تشتري كتاباً فإنك تفعل كي يفكر الكاتب عنك الذي لن يستطيع ذلك أكثر مما يستطيع أن يتناول لك عشاءك، فقصارى ما يفعل الكاتب أن يطبخ لك عشاءك الذهني بتقديمه مقدار ما فكر عنك، وما فكر غيره معه، اقتصاداً في جهدك ووقتك، وهنا تأتي ميزة الثقافة!! أن تعرف كيف تختار وتنتقي ما أنت بحاجة إلى التفكير فيه. قيل إن النفس السليمة في الوسط السليم، ولأننا من صنع المجتمع نسأل: هل مجتمعنا سليم الوسط كي يثمر نفوساً سليمة بعقول سليمة تعرف كيف تختار وتنتقي؟ أم أن وسطنا سيئ، أحدث التوترات التي اختل معها العقل والشعور؟ فلو كان سليماً فمن أين لشباب انحرفوا أن يجدوا المرتع والملجأ لانحرافهم، وقد سئل مرشدً اجتماعي عن حال شباب خرجوا من السجن، إن كانوا عادوا إليه! فكان الجواب، نعم بارتكابهم جرائم أخرى، ذلك أن من أشرف عليهم وتعامل معهم على مدار اليوم في السجن لم يكن من المربين والمصلحين ولكن من رجال الأمن، أما المرشدون فتعقد لهم الدورات والندوات صحيح، ولكنها أبداً لا تكفي، فأنت تحتاج إلى سجاّن مربٍّ، وليس إلى مرشد موقت، الأمر ذاته ينطبق على البيت والمدرسة، فأين هو الأب المربي والمعلم المربي من مجرد عائل في بيت، وملقّن في مدرسة؟ المجتمع الأقرب إلى الحياة السليمة سينتج مواطناً أقرب إلى السليم منه إلى خلية سرطانية مشوهة، وأثرى الأثرياء بماله وعقله لن يستطيع في سوق تحفل بالعطب، أن يشتري سوى العطب، وحين يعود علينا عطبنا، فهذه بضاعتنا ردت إلينا. جاء في إعلان وزارة الداخلية الأخير ما يلي: «قبض على مستخدم المعرفات الآتية: الأسد المهاجر، الغريبة، بنت نجد، النجم الساطع، واتضح أنها تعود لامرأة، فجرت معالجة أمرها وتسليمها لذويها»، والآن: كيف يمكن لشخصية منحرفة أن تغيّر معالجة قصيرة في قناعاتها؟ أو أن تعامل المرأة الإرهابية بمنطق أنها امرأة كأي امرأة في مجتمع أبوي تخطئ فتعنف وتسلم إلى ذويها بتعهد؟ ثم ماذا بإمكان الأهل أن يفعلوا أكثر مما فعلوا حين كانت ابنتهم في رعايتهم ولم يفعلوا؟ وهل ستعدم تلك المرأة (مسجل خطر) وسائل الاتصال بالعالم الخارجي ومزاولة نشاطها المشبوه مهما اشتدت عليها الرقابة؟ المرأة - لمن لا يعرف المرأة - تكون في اقتناعها أقوى وأخلص لقضيتها من الرجل، والمرأة الإرهابية عموماً (من قبض عليها أو غيرها) لا ينبغي تمكينها من استغلال كونها امرأة في إيهام الآخرين بمحدودية ضررها فتعامل بتخفيفٍ ومراعاةٍ، فنحن في أمن وطن لا يقبل المساومة. [email protected]