إذا كانت دور السينما مُغيبة في السعودية، فإن للمسارح حضورها وانتشارها في كل المناطق تقريباً، وإن كان جمهورها صغيراً نسبياً، ولا يكاد يمر شهر من دون إقامة عرض مسرحية على الأقل، فيما تنشط العروض في أشهر الصيف والإجازات المدرسية. وعلى رغم الدخول المبكر للسينما إلى البلاد قبل حوالى ثمانية عقود، مع وصول طلائع الأميركيين العاملين في مجال اكتشاف النفط، وانتشارها لاحقاً في مدن سعودية عدة، قبل أن تنحسر مطلع ثمانينات القرن الميلادي الماضي، فإن البلاد عرفت المسرح قبل ذلك، إذ يعتقد أن المسرح السعودي نشأ في العام 1928، وتم تقديم مسرحية بعنوان «حوار بين جاهل ومتعلم» في القصيم، أمام مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز آل سعود، ويقال إنه أقيمت مسرحية في المدينةالمنورة في العام 1910. وحظي المسرح بدعم رسمي، من خلال وزارة التعليم المعنية في المسرح المدرسي، التي تشجع عليه، وأيضاً من خلال الرئاسة العامة لرعاية الشباب «الهيئة العامة للرياضة حالياً»، وجمعيات الثقافة والفنون، إضافة إلى الجهود الفردية، وأسهم كل ذلك في ظهور أسماء مسرحية بارزة، حصدت جوائز عدة على المستويين الخليجي والعربي. ويتنوع المسرح السعودي ما بين المدرسي الذي يندرج تحت نشاطات وزارة التعليم، والأكاديمي الذي انطلق في بداية الثمانينات عندما قررت الرئاسة العامة لرعاية الشباب ابتعاث فنانين في مجالات عدة، منها: التمثيل، والإخراج، والديكور، والتأليف، إلى دول عربية وخليجية وأجنبية، وأخيراً هناك مسرحي المرأة والطفل. وحفل شهر شباط (فبراير) الماضي، بعروض مسرحية عدة، منها «عفاريت الهوا»، التي قُدمت في مسرح منتزه عطا الله بجدة، وهي من تأليف أيمن فتيحة، بمشاركة مجموعة من الممثلين الشبان. إضافة إلى مسرحية «اجتماع طارئ»، في مركز المربي صالح بن صالح الاجتماعي في القصيم، وقدمتها «فرقة عنيزة»، وهي من إخراج علي السعيد، وكذلك مسرحية «حبل غسيل» التي عرضت في المنطقة الشرقية، على مسرح جمعية الثقافة والفنون في الدمام، وتقوم على مبدأ المشاركة التفاعلية بين الممثلين والجمهور، وأخرجها محمد الجراح، إلى جانب مسرحية من بطولة الكويتي طارق العلي عرضت في الرياض. ومن أجل الكشف عن المواهب المسرحية الطلابية وتنميتها، نظم مركز التنمية الاجتماعية في عرعر الشهر الماضي، مسرحية بعنوان «عمارة الديرة» من تأليف المخرج يحي غريب الدهمشي على مسرح مجمع الأمل للصحة النفسية. وحظي المسرح المدرسي الذي نظمته أخيراً، وزارة التعليم ضمن فاعلياتها المنفذة بجناحها في المهرجان الوطني للتراث والثقافة، باهتمام وتفاعل كبيرين من زوار الجناح طيلة أيام المهرجان. وعاش الأطفال من خلالها رحلةً مع الماضي والتراث. وقدمت خلال العام الماضي 12 مسرحية، من بينها: الكراج، واستراحة 50، ورجال الراعي، ورجال البيض، إضافة إلى مسرحيات نسائية: تنازلات للزوج، وهم قتلوني، وقهوة عربية، وكذلك مسرحيات الأطفال: شاي بنعناع، وقفص الزجاج، ويالطيف، وسفينة. وعرضت جمعية الثقافة والفنون في جدة العام الماضي، مسرحية «الدرباوية» التي ناقشت قضية شبان يشتهرون بممارسة التفحيط، ويعرفون ب«الفوضوية وأنماط سلوكية لا تناسب المجتمع السعودي». ويسجل السعوديون حضوراً دائماً في المهرجات المسرحية خارج بلادهم، وأبرزها مهرجان السينما لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويوم المسرح العالمي، وغيرها من الدورات والمعارض والمسابقات الثقافية. وحصدت المملكة في العام 2014، جائزة «درع التميز المسرحي» على مستوى دول الخليج العربي، في مهرجان المسرح المدرسي الخليجي السادس الذي أقيم في البحرين. وتقام في المملكة مهرجانات مسرحية عدة، أشهرها تستضيف مدن: الدمام، والأحساء، والطائف، وجدة. فيما يعد مسرح مركز الملك فهد الثقافي في الرياض أكبر المسارح السعودية، من حيث عدد المقاعد المخصصة للجمهور، التي تفوق ثلاثة آلاف. من جانبه، أكد الناقد المسرحي عباس الحايك أن المسرح السعودي «الأنشط حركة على مستوى دول الخليج»، معتبراً المسرحيين السعوديين «مناضلين من الدرجة الأولى»، مشيراً إلى أن ما يقومون به من «اختزل لفكرة المسرح الفقير».