تطوير قطاع النقل الخليجي يخفض انبعاثات الكربون حتى 40%    معرض سوق السفر السعودي 2025 الاثنين القادم    استخدام التقنيات الجيوفضائية لتحسين الزراعة    نخبة نجوم الجولف يفتتحون موسم دوري lIVGO    الاتفاق يتلقى خسارته الأولى أمام الرفاع البحريني في دوري أبطال الخليج للأندية    الأخضر "تحت 20 عاماً" يواجه إيران ودياً في معسكره الإعدادي في الصين    منصات التوصيل النسائية تنافس تطبيقات المشاوير    تكريم عراب التدوين القشعمي بملتقى قراءة النص    ألما يعرض 30 عملا للفنانة وفاء الشهراني    العلم.. أداة الفهم والتقدم الإنساني    اكتشف قدراتك الكامنة    اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون    الجابر يدافع عن البليهي ويستنكر ما حدث من جمهور الهلال    فريق عمل مشروع توثيق البطولات: لم نعتمد أي إحصائيات أو أرقام    فلسطين.. من رسالة المؤسس إلى رسالة المجدد!    قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس    أمر ملكي يعزز النزاهة ويعيد المال العام    بنوكنا: نعتذر عن تنفيذ الخدمة!    ثبات محمد بن سلمان    صفحة بيت    الهلال بلا إعلام !    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    ماكرون يهنئ أحمد الشرع ويدعوه لزيارة فرنسا    اكتمال الخطة التنفيذية لبرنامج الاستدامة المالية    رويبو يوضح أن ترامب يريد خروج سكان غزة مؤقتا ريثما تجري إعادة إعمار القطاع    هاتفياً... ولي العهد يبحث تطورات الأوضاع الإقليمية مع ملك الأردن    السعودية: الدولة الفلسطينية ليست محل تفاوض ولا تنازلات    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    رصد التربيع الأول لشهر شعبان في سماء المملكة    تحالف شركات مجرية يستعد للاستثمار بالتقنية والرقمنة في المملكة    جازان تحصد الذهبي والفضي في جسور التواصل    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    واشنطن: العجز التجاري يرتفع.. والواردات لمستوى قياسي    موسم الرياض يرعى حفل الزواج الجماعي ل 300 عريس    سعود بن مشعل يدشّن 179 مشروعًا تعليميًا في جدة ومكة    أمانة الشرقية والسجل العقاري يقيمان ورشة رحلة التسجيل العيني للعقار    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    في أبطال نخبة آسيا.. الهلال يدك شباك برسبوليس الإيراني برباعية    5 دول عربية تعارض تهجير الفلسطينيين من غزة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بيئة حيوية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحنين يخنق «زهرة الصبار»
نشر في الحياة يوم 10 - 03 - 2017

تُواظب تيمة الحنين إلى الماضي على الحضور في معظم أفلام السينما المصرية الفنيّة، في ظاهرة ليس من الصعب الاستدلال على دلالاتها النفسيّة والاجتماعية، وتتبّع جذورها التي تعود إلى بدايات الموجة السينمائية المصرية الحديثة في بداية عقد الثمانيات من القرن الماضي، وتتواصل حتى اليوم بأشكال وصيغ مختلفة في أفلام ما يعرف بالسينما المستقلة المصرية. حيث يشكل الحنين «العدسة» الأليفة المدموغة بالأسى التي تنظر بها شخصيات هذه الأفلام إلى واقعها المشوه الذي ترفضه، والقوة الخفية التي تحرك الأبطال وتقودهم إلى عزلاتهم، وتكرس غربتهم وعدم إنتمائهم لما حولهم. كما يقترب التحسّر على الماضي، والذي بدأ كفعل فطري تجاه التغييرات الهائلة التي لحقت في المجتمع المصري إثر التحولات السياسية الكبيرة التي مرَّت عليه، في سينما السنوات الأخيرة، من صرخات يائسة مكتومة ضد الخراب الذي ينهش في روح الحياة المصرية.
الماضي صار بعيداً
يُهيمن هذا الحنين على باكورة المخرجة المصرية هالة القوصي الروائية الطويلة «زهرة الصبار»، والذي عرض في الدورة الأخيرة من مهرجان روتردام الدولي. إذ إن شخصيات الفيلم تفتقد وتحن إلى أخلاقيات ماض بعيد، على رغم أن بعضها لم يعش ذلك الماضي، ورحلة الطريق التي تقطعها الشخصيات عبر زمن الفيلم تبدو في جزء منها محاولة للعثور على ذلك الماضي المبهم. فيما سيكون شريط الصوت في الفيلم، والذي يتألف من أغنيات قديمة أقرب إلى اللحن الجنائزي وتذكار دائم بالحياة المختلفة التي مرت على هذا المكان المحاط اليوم بالقبح، وسيكمل الممثلون في الفيلم، والذين ظهر بعضهم مراراً في أفلام روائية مصرية مستقلة في الأعوام الأخيرة حتى صاروا أيقونات للسينما المهمشة، مشهداً أصبح شائعاً لسينما لم تطور نفسها كثيراً.
تتجاور بطلتا الفيلم «عايدة» و «سميحة» على سطح بناية في القاهرة، الأولى ممثلة مسرحية شابة آتية من مدينة مصرية صغيرة، والأخرى سيدة تجاوزت منتصف العمر تعيش وحيدة بعد حياة سنعرف لاحقاً أنها كانت صاخبة. بعد مضايقات من صاحب العمارة الذي سيغرق شقتيهما المتواضعتين بالمياه، ستتشارك الشخصيتان مع شاب مهذب من المنطقة ذاتها، رحلة تشرّد عبر صيف القاهرة في محاولة لإيجاد مأوى للمرأة الخمسينية. وستتوقف هذه الرحلة في محطات، نتعرف فيها إلى شخصيات جديدة، منها أصدقاء وأُمّ ل «عايدة»، ومخرج سينمائي كان يرتبط بعلاقة عاطفية بالبطلة، وصادف أيضاً أن يعرف الشخصية النسائية الأخرى في الفيلم.
في موازاة الاتجاه الواقعي للفيلم، والذي يتفاعل مع «مصر» ما بعد الثورة، عبر مشاهد ركز بعضها على صعود الدولة البوليسية الجديدة، يقدم الفيلم عالماً موازياً حلمياً، بدأ في بداية الفيلم وكأنه خيالات فنيّة مسرحية للبطلة، والتي لم تجد الفرص والمناخات للتحقق، قبل أن تتغير لتأخذ أشكالاً صورية مغايرة بتعبيريتها وكثافتها اللونية للطبيعية الواقعية الإجتماعية المعتمة للفيلم. في واحدة من هذه الخيالات، ترقد سيدة فارقت الحياة للتو على سرير تجمعت حوله نساء من أعمار مختلفة، وهناك المشاهد التي صورت من الجو للشخصيات الرئيسية تتمدد في حديقة خضراء، ومشاهد أخرى متميزة كثيراً بألوانها وطولها صورت من الأعلى لإعداد وجبة طعام في بيت أُمّ البطلة، أبرزت التمايز بين طزاجة ما تجود به الأرض من طعام وقدم المطبخ البشري وصدء أدواته.
حميمية نسائية
تتفاوت جودة الفيلم، إذ يصل عندما يتقرب من خيبات البطلة التي تعدت الثلاثين من العمر إلى حميمية نسائية جيدة، وصوّر بتمكن اختناق امرأة حساسة بفعل المحيط القاسي من حولها، لكن الفيلم كان يسقط دورياً في التنميط السينمائي، والذي يتجسد في طبيعة الشخصيات الرجالية التي قدمها، وكذلك في إعادتة تدوير صور ورموز تناولتها السينما المصرية مراراً. وبعد أن بدا أن رحلة الأبطال عبر القاهرة ستقود إلى فيلم إشكاليّ قاسٍ، لما ينطوي عليه وجود نساء شرقيات بلا مأوى من جسّ لمحرمات حساسة، إلا أن الفيلم لم يبلغ أبداً الحدة المنتظرة منه، بل تمسك بمحافظة أخلاقية معروفة في السينما المصرية، سواء في تلك التي تتقصد الجمهور الواسع، أو التي تنتج خارج الأطر التجارية وهيمنة السوق.
ترتبط البطلة بقصة حب مُعقدة مع كاتب، وسيظهر هذا الأخير في نهاية الفيلم، مُكرساً كل الكليشات السينمائية المعروفة عن المثقفين والكتاب الذين يبعدهم الانشغال بالكتابة من الواقع، ويحولهم إلى رجال أنانيين ينقصهم النضج والمسؤولية. يعيش هذا الكاتب في شقة فارهة، لكنه مُعذب لأن «الإلهام» فارقه (هل هناك كتاب عرب اليوم قادرون على هذا الترف المهني والعاطفي حقاً؟).
في مقابل ذلك الشاب، هناك المخرج السينمائي الذي يؤدي دوره الممثل المصري زكي فطين عبدالوهاب، وهذا أيضاً يُقدَّم مع كل الصور النمطية المعروفة، فهو الذي تجاوز الستين من العمر، ما زال يملك الخيوط اللازمة لتحريك الحيوات العاطفية للنساء من حوله، ويعيش مثل الكتاب، في شقة لا تقل ثراءً.
ومثلما للسينما التجارية المصرية أساليبها ورموزها وصورها الخاصة التي تحولت مع الزمن إلى عدتها التي لا تستغني عنها للتواصل مع الجمهور، طورت نظيرتها الفنيّة لغة سينمائية لا تقل نمطية أحياناً، فشريط الصوت في فيلم «زهرة الصبار»، يتضمن أغاني للراحلين عبدالحليم حافظ وسعاد حسني، كما يُعلق للأخيرة ملصقاً لواحد من أفلامها المعروفة في شقة الكاتب. هذه الإشارات والتي لفرط تكرارها في أفلام مخرجي السينما الفنيّة، بدأت تفقد قوتها المنتظرة، كما يحتاج «الماضي» إلى استعادات تطور لغة إشارات جديدة، ورؤية مبتكرة وتنقيب أكثر عمقاً في أسباب اغتراب أبطال هذه الأفلام.
لغة الماضي المبهمة
غالباً ما يأخذ الحديث عن «الماضي» في السينما الفنيّة المصرية لغة مبهمة وتهمين عليه سريعاً العاطفة، كما ينسجم تفخيم الماضي وتمجيده أحياناً مع الفكر الماضوي الذي يهمين على الثقافة والحياة في المجتمعات العربية، كأنه رد على انغلاق آفاق المستقبل وضبابته. ولعل الشخصيات التي تعيش في «الماضي» أو تتحسر عليه، لا تعرف هي نفسها أي ماض تقصد، ناهيك عن إخضاع الماضي ذاك للنقد أو التحليل. لذلك ترى الأفلام المغلفة بالحنين تكتفي بالوقوف على الأطلال وتتجنب الذهاب إلى خطوة أبعد من التحسّر. كحال أبطال فيلم «زهرة الصبار»، الذين وقفوا في مشهد طويل وظهورهم للكاميرا يتأملون «القاهرة» من أحد تلالها، وعندما علق أحدهم عن التلوث الذي يكاد يحجب الرؤية، أجابته «سميحة» معاتبة: «بأنهم لم يعرفوا المدينة في عزها»، وكأن «المدينة» خطفت بغفلة من سكانها، وليس حالها اليوم، هو جزء من صيرروة طويلة مقعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.