تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي فاجأت مصر والكثيرين معها. ومع أن القاهرة سارعت الى نفي أي سعي من جانبها الى حرب مع أديس أبابا بسبب الخلاف على اقتسام مياه النيل مستغربة أقوال زيناوي، ونفت ايضاً اتهامه لها بتقديم الدعم الى جماعات اثيوبية معارضة، فإن الموقف الاثيوبي يطرح علامات استفهام كثيرة حول توقيته ومضمونه والغرض منه، وبالتأكيد حول من يحرض عليه. كلام زيناوي تزامن مع استضافة أديس أبابا قمة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (ايغاد) التي خصصت لمناقشة الوضع في السودان والصومال وشهدت «وساطة» اثيوبية بين الرئيس السوداني البشير ونائبه سلفاكير لحل الخلاف حول الاستفتاء ومنطقة ابيي. وهنا ايضاً «جبهة» ثانية فتحت ضد مصر التي تقوم بجهود كبيرة في هذا الخصوص ومعنية بالوضع السوداني اكثر بكثير من اثيوبيا التي بالغ رئيس وزرائها في التحذير من معاودة القتال بين شطري السودان. الكلام الأثيوبي كانت له مقدمات كثيرة في أديس أبابا. فقد دأبت الصحف الاثيوبية منذ مطلع العام على نشر سيناريوات لحرب مصرية متوقعة، منسوبة الى باحثين اميركيين وغربيين، يهدف معظمها الى تبرير الخطوات الاثيوبية المنفردة في بناء السدود على النيل من دون العودة الى دولتي المصب، مصر والسودان، وتحريض الاثيوبيين على مصر بحجة ان 85 في المئة من مياه النهر تنبع من اراضيهم وان لهم الحق في استغلالها كيفما يشاؤون، من دون اي اعتبار للقوانين الدولية والمعاهدات الموقعة بخصوص اقتسام مياه النهر. وزارة الخارجية المصرية اعتبرت ان التصعيد الاثيوبي ناجم عن «إحباط» تشعر به أديس أبابا بعدما وقعت مع اربع دول اخرى مسودة اتفاق جديد لتقاسم المياه تواجه صعوبة في اعتراف دولي بها، لأنها لا تضم جميع الدول المشاطئة للنيل، مؤكدة تمسك القاهرة بمواقفها القانونية والسياسية الثابتة في هذه القضية، واتباعها نهج الحوار والتعاون الذي لم تتخل عنه يوماً ولم تفكر في بديل منه. لكن القاهرة تشتبه في دور اسرائيلي وآخر اميركي متعاطف معه في تحريض أديس أبابا على مصر ودورها في المنطقة، في شقيه العربي والافريقي. وتقول مصادر مصرية ان تل ابيب ساهمت في تمويل بناء سدود في اثيوبيا تبين انها غير مجدية زراعياً وان الهدف منها حبس المياه فقط وتوليد بعض الكهرباء، وانها تضغط في اتجاه هدف قديم: مطالبة مصر بالعودة عن رفضها القاطع تزويد اسرائيل بقسم من مياه النيل، وإلا فإن حصتها من المياه ستنخفض تدريجاً، بتعاون اثيوبي، بما يهدد أمنها الغذائي والسياسي، وهو ما بدأت تباشيره تظهر مع قرار الحكومة المصرية خفض المساحات المخصصة لزراعة الأرز بسبب كميات المياه الكبيرة التي تحتاجها، واضطرارها بالتالي الى استيراد كميات منه بأسعار مرتفعة لتلبية حاجات الاستهلاك المحلي. وتورد الاوساط المصرية ادلة على العلاقة المتنامية بين اسرائيل واثيوبيا والتي تشكل خلفية لمواقف أديس أبابا، بينها القرار الذي اعلنته تل ابيب هذا الشهر باستيعاب موجات جديدة من اليهود الاثيوبيين (الفالاشا) تصل الى 8 آلاف شخص على مدى السنوات الاربع المقبلة، بذريعة انقاذهم من الوضع الانساني المتدهور في بلادهم، بعدما كان وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان اختار إثيوبيا وكينيا وأوغندا (من دول حوض النيل) محطات في جولة افريقية له في ايلول (سبتمبر) الماضي، تناولت في شكل خاص اقتراح مشاريع مياه.