أوصد رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه أمس، الباب «نهائياً» أمام تكهنات ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان (أبريل) وأيار (مايو) المقبلين، وكشف في مؤتمر صحافي عقده لسبع دقائق فقط في بوردو، أن أحد أسباب رفضه الترشح للرئاسة بدلاً من مرشح حزبه «الجمهوريين» اليميني المحافظ فرنسوا فيون، الذي سيوجه القضاء اتهامات إليه في 15 الجاري في قضية شغل زوجته بينيلوب وولديه وظائف وهمية لسنوات منحتهم ملايين الدولارات، صعوبة توحيده صفوف أسرته السياسية بعدما «فات الأوان». والأكيد أن جوبيه لا يثق بحصوله على دعم قادة حزب «الجمهوريين» وناخبيه لخوض السباق الرئاسي، خصوصاً أن عداء الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أمر معروف، ما يجعله يشكك في تأييد أنصار الرئيس السابق له، وعدم تصويتهم لمصلحة مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف مارين لوبن. ويشمل ذلك أيضاً أنصار فيون نفسه الذي كان هزم جوبيه في الانتخابات التمهيدية ل «الجمهوريين»، استناداً إلى برنامج يميني صارم حقق شعبية كاسحة. ودفع ذلك جوبيه إلى القول في مؤتمره الصحافي: «يا للخسارة. كان أمام فيون طريق عريض يقوده إلى الفوز، وقد دعمته تكراراً لكن النهج الذي اعتمده للدفاع عن قضية الوظائف الوهمية قاده إلى المأزق». وإثر انتهاء المؤتمر الصحافي لجوبيه، دعا بعض «الجمهوريين» إلى ترشيح الوزير السابق فرنسوا باروان المقرب من فيون للرئاسة، فيما اقترح أنصار ساركوزي اختيار فيون نفسه مرشحاً بدلاً منه. هكذا تصبح لوبن أكبر المستفيدين من انتكاسات «الجمهوريين» في السباق الرئاسي، ويقترب «شبحها» أكثر وأكثر من الرئاسة، سواء واصل فيون ترشحه الذي لا يضمن انتقاله إلى الدورة الثانية الحاسمة، أو انسحب لمصلحة مرشح آخر من حزبه، لأن ناخبين يمينيين خائبين كثيرين لا يخفون رغبتهم في الاقتراع لحزبها المتطرف. وعلى رغم أن تطورات ومستجدات قد تطرأ قبل موعد الدورة الأولى للانتخابات في 27 نيسان المقبل، يبدو أن المنافسة تنحصر حالياً بين لوبن ومرشح الوسط إيمانويل ماكرون. لكن السؤال هو إذا كان «العقد الجمهوري» الذي سمح عام 2002 بإعادة انتخاب الرئيس السابق جاك شيراك لولاية ثانية، وقطع طريق السلطة حينها على منافسه في الدورة الثانية مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن، وهو والد مارين، قابل للتجدد في الانتخابات المقبلة؟ تغيرات كثيرة طرأت على أوضاع فرنسا تجعل محللين يرون أن ما كان مستحيلاً عام 2002 على صعيد تولي اليمين المتطرف السلطة قد يصبح حقيقة اليوم، خصوصاً أن الجبهة الوطنية كانت معزولة تماماً في عهد لوبن الأب، فيما أصبحت الآن حزباً ذا مكانة مهمة على الخريطة السياسية لفرنسا. وكان لوبن الأب شخصية شبه منبوذة إعلامياً، في حين أن ابنته وممثلي جبهتها يملكون حضوراً مميزاً أسوة ببقية السياسيين في وسائل الإعلام. وساهم في هذا التحول التردي الاقتصادي المتفاقم الذي جعل فرنسا بلداً يضم 6 ملايين عاطل من العمل و9 ملايين فقير، وتداعيات الأزمات الدولية على أوروبا والعالم التي غذّت الشعوبية والتطرف اليميني.