وجّه الرئيس اللبناني ميشال سليمان امس رسالة متلفزة الى اللبنانيين في مناسبة العيد ال 67 لاستقلال لبنان. وقال: «نجح لبنان في السنوات الأولى للاستقلال في فرض نفسه على الساحتين الإقليمية والدولية، فشارك في تأسيس جامعة الدولة العربية ومنظمة الأممالمتحدة وساهم بصورة اساسية في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ودافع عن قضايا الحق والعدالة وفي طليعتها قضية فلسطين. وبرز كبلد يحترم حرية الرأي والمعتقد والتعبير، وصاحب مشروع نهضوي على الصعيدين السياسي والثقافي. وعلى رغم النكسة التي تعرض لها ميثاقه الوطني وسلمه الاهلي عام 1958، والتي انتهت على قاعدة عدم تغليب فئة على اخرى، عاد وشرع قادته في بناء دولة الاستقلال اعتباراً من مطلع الستينات، واعتمدوا نهجاً يصلح في جوهره لأن يعتمد كأساس في الإصلاح الإداري وبناء المؤسسات وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن للمناطق. الا ان دعائم الاستقلال الثانية سريعاً ما تداعت بفعل الاقتتال الذي نشب اعتباراً من عام 1975، نتيجة لاعتبارات داخلية واقليمية ودولية متعددة، اسأنا تقييمها وتدارك تداعياتها عن طريق الحوار الوطني المخلص البناء، مع ما استتبع ذلك من تدخل لقوات ردع شقيقة. كما واجه لبنان سلسلة اعتداءات اسرائيلية مدمرة واجتياحين لأراضيه عامي 1978 و1982. ولم تنته الحرب الداخلية فصولاً الا بعد التوصل الى إقرار اتفاق الطائف واعتماد وثيقة الوفاق الوطني عام 1989. لقد أدار لبنان شؤونه بعد إقراراتفاق الطائف في ظل وجود ودور سوري مباشرين. وبعد انسحاب الجيش السوري عام 2005، وقع على عاتق الجيش اللبناني والقوات المسلحة واجب الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومحاربة الارهاب والمشاركة في مواجهة العدو الاسرائيلي، كما تجلى ذلك في نهر البارد وخلال عدوان تموز (يوليو) 2006 الذي تمكن لبنان من دحره وعمل على محو آثاره». وزاد: «على رغم الإحباط الذي يشعر به كل لبناني نتيجة إخفاقاتنا السابقة في حماية استقلالنا وتثبيت دعائمه، لا بل ضياع مفهوم السيادة والاستقلال لدى الكثيرين، فإن الفرصة باتت وما زالت متاحة أمامنا منذ عام 2008، كي نثبت مقدرتنا على إدارة شؤوننا بأنفسنا، وأخذ الخيارات الصحيحة التي من شأنها أن تقودنا من جديد على دروب الأمن والاستقرار والعدالة والنمو»، وشدد على أنْ «يجب علينا ألّا ننسى أبداً أنّ على رغم الانتكاسات التي طاولت مسيرة الاستقلال في الصميم، تمكنا من المحافظة على ايماننا بلبنان وبوحدته ونظامه الديموقراطي الحر، وبعيشنا المشترك ومستوى مناهجنا التعليمية وحيوية نظامنا المصرفي. وتسنى لنا قبل كل شيء انجاز تحرير معظم اراضينا المحتلة عام 2000، بتضامن جيشنا وشعبنا ومقاومتنا ومجمل قدراتنا الوطنية. وكانت الديبلوماسية اللبنانية نجحت اعتباراً من عام 1978، في تكريس اعتراف مجلس الامن الدولي بحقنا في استعادة كامل اراضينا المحتلة من دون قيد او شرط، ومن دون الحاجة الى اي شكل من اشكال التفاوض مع العدو الإسرائيلي». وعدد انجازات السنوات الاخيرة، منها «اعادة العلاقات اللبناينة - السورية المميزة الى مسارها الصحيح واقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين، والفوز بمقعد غير دائم في مجلس الامن، واعادة موقعنا ومكانتنا على الساحة الدولية، والحؤول دون حصول عدوان خارجي». وأضاف: «مع تسجيل امتناننا للأشقاء العرب في دعم لبنان وسلمه الاهلي وامكانية الاستفادة من مساعيهم الحميدة، فإن المسؤولية الأولى والأهم تبقى على عاتقنا نحن كلبنانيين، لاجتراح الحلول المناسبة والثبات عيها لكون الإرادة اللبنانية الحرة شرطاً أساسياً من شروط الاستقلال». ورأى سليمان أن ذلك يستوجب «1- الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي كأولوية. والتخلي عن الخطاب المتشنّج المثير للأحقاد. فالفتنة التي تم الحؤول دون وقوعها بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وشخصيات لبنانية أخرى، يجب ألّا نسمح لها بأن تطل علينا بطرق وأوجه مختلفة، وأن تبلي لبنان بشرورها. 2- العمل من ضمن النظام وأحكام الدستور، والتمسك بنهج الحوار واحترام المؤسسات الشرعية والاحتكام إليها في كل وقت وظرف لحل اي إشكال أو نزاع. 3- التمسك باتفاق الطائف واستكمال تنفيذه، من دون تردد أو خوف، والتوافق معاً على توضيح الإشكالات الدستورية التي اعترت تطبيق بعض بنوده بعد اكثر من عقدين على اعتماده. 4- المشاركة في تحمّل المسؤولية، بالطرق الأمثل، بعيداً من التعطيل او الاستئثار او الاستقواء، وعدم الاكتفاء بتقاسم الحصص او التنازع عليها، بل الانتقال من منطق السلطة الى منطق الدولة. 5- التمسك بصيغتنا الحضارية والعمل على إنجاح التحدي اللبناني القائم على مشاركة جميع الفئات والطوائف في إدارة الشأن العام وليس فقط على العيش المشترك، وهذه مسؤولية لبنانية وعربية على السواء. ذلك، في مواجهة سياسة إسرائيل القائمة على يهودية الدولة وسعيها لشرذمة العالم العربي، وتنامي الفكر الرافض للرأي الآخر والمعتمد نهج الإرهاب، إضافة لارتفاع أصوات جديدة في الغرب تشكك في إمكانية نجاح نماذج العيش القائمة على التعددية الثقافية. ومن المفيد التمسك من ضمن هذا التوجه، بقاعدة المناصفة وتمثيل الطوائف، من دون تكريس الطائفية، وذلك باعتماد معايير الالتزام الوطني وليس الطائفي. 6- متابعة الجهد الهادف لإرغام اسرائيل على الالتزام بالقرار 1701 وتنفيذ كامل بنوده، مع الاحتفاظ بحقنا في تحرير أو استرجاع ما تبقى لنا من أراضٍ محتلة بجميع الطرق المتاحة والمشروعة. 7- المضيّ قدماً في عملية البحث والتوافق على استراتيجية وطنية دفاعية ترتكز، على الدور الأساسي للجيش الذي أثبت فعاليته وجدارته في الدفاع عن الوطن خلال عدوان تموز 2006 وواقعة عديسة، وتأمين مستلزمات التسليح والتجهيز المناسبة له. وتالياً، استمرار عمل هيئة الحوار في أعمالها، إذ يبدو الانكفاء عن هذه الهيئة في المبدأ بمثابة انكفاء عن الذات وعن الخصوصية اللبنانية. 8- الاستمرار في تعزيز فرص النمو اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتحقيق الإنماء المتوازن وإقرار الخطط لقطاعات الإنتاج والخدمات ووضعها موضع التنفيذ، وتشجيع الحكومة على مضاعفة الجهد، بعيداً عن الجدل السياسي، التزاماً منها ومن جميع اعضائها بتحقيق أولويات المواطنين في الحياة الكريمة. ذلك انني أعي وأتحسس آلام الشعب وآماله، وحقه في التنعّم بالأمان وبالخدمات الأساسية في مجالات الماء والكهرباء والنقل العام والضمان الصحي والاجتماعي وغيرها من الحقوق البديهية من دون تمييز أو إبطاء. 9- إجراء الإصلاحات السياسية والقضائية والإدارية الضرورية لحسن سير عمل المؤسسات. 10- المضيّ في عملية السعي لتثبيت حق المغتربين بالاقتراع وتسهيل إجراءات استعادة جنسيتهم الأصلية، بما يسمح بخلق دينامية مؤاتية للعزة الوطنية والنمو والازدهار». وقال: «آن لنا فعلاً، بعد عقود من الحروب والنزاعات، ان نحظى بحالة عامة من الهدوء والاستقرار، كي ننصرف فيها الى العمل المجدي، وإلى معالجة هموم الناس، وتقويم ما اعوجّ من اخلاقيات وسلوكيات مجتمعنا، ومكافحة الفساد والغش والجشع والانتهاك الصارخ لحرمات بيئتنا الجميلة، والحد من نزف هجرة ابنائنا الى الخارج وخلق الظروف المطمئنة لمغتربينا للعودة الى ربوع لبنان». وشدد على أن «التوافق ركن اساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام، كما يفيد بذلك الميثاق الوطني ووثيقة الوفاق الوطني»، معاهداً اللبنانيين على «مواصلة المسيرة، بعزم وقناعة وإيمان، وبالانحياز دوماً الى مصلحة الوطن العليا، والسهر على دفع البلاد على دروب التعقّل والتوافق والاستقرار والنمو». ودعا اللبنانيين الى أن «لا تسمحوا بأن يكون لبنان ساحة مفتوحة للصراعات وللتدخل الأجنبي. وأدعوكم للعمل معي، تلافياً للأزمات، لتغليب الثوابت التي أقرّتها وثيقة الوفاق الوطني، والالتزام بخط التوافق والحوار والتسامح والتآخي الذي أثبتت تجارب التاريخ، ان لا خط لنا جميعاً سواه».