المعارض المقارنة أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة، ذلك أنها تفتح حدود تاريخ الفن الحديث والمعاصر بين محترفات الوحدة الأوروبية، ثم بين فرنسا والولايات المتحدة وكشفت حقيقة المبادلات وتواشج أسباب القربي بين باريس ونيويورك خصوصاً ما قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها. ابتدأت هذه التوأمية منذ العهد «الانطباعي» الفرنسي (منذ نهاية القرن التاسع عشر)، وترسخ عبور الأطلسي منذ بداية الستينات كما رأينا مع حركة تبادل المعارض بين «الواقعية الجديدة» (الفرنسية) وأقطاب «البوب آرت» الأميركي. يكشف اليوم معرض «متحف ماتيس» في قصر فلنون والمستمر حتى نهاية حزيران (يونيو) 2009 قرابة وتأثير أهم ما مارسه مفهوم اللون لدى أبرز رواد الحداثة الفرنسية وهو المعلم هنري ماتيس على أقطاب حركة «التعبيرية التجريدية» في نيويوك ما بعد الحرب وحتى ما بعد السبعينات. يتعقب مسؤولو المعرض من خلال 55 لوحة التأثيرات المتعددة لماتيس على هؤلاء، وعبر اختيار 15 لوحة مفصلية من تراث ماتيس، باعتبارها الأشد قرباً من عين هؤلاء، سواء بسبب وجودها في المتاحف الأميركية (مثل مومو)، أو بسبب شيوع معرفتها مثل لوحة الرقص أو «النافذة» وغيرهما. تحالفت في المعرض المقارنة البصرية (حول عمق هذه التأثيرات) مع نصوص وتصريحات اعتراف هؤلاء بما اختاروه من تراث ماتيس اللوني. تستعيد نصوص المعرض أقوال المعلم الفرنسي وعقيدة تعاليمه حين يقول مثلاً: «في اللوحة الدرجة الواحدة تعني لوناً والدرجتان تعنيان تناغماً لونياً». هكذا وصولاً حتى أوراقه الملونة بالفواش والتي كان يقصها بسرعة ليلصقها في نوطاتها الفراغية على قماشة اللوحة، وهكذا اتحد الشكل باللون وأصبحت السطوح اللونية الأوركسترالية قدراً لحداثة اللوحة ومختبرها المستقبلي في نيويورك. لذلك دُعي المعرض بعنوان شمولي المغزى: «هؤلاء تأملوا ماتيس» تبدأ هذه التأثيرات إذاً من المسطحات اللونية وتنتهي «بالبوستمنماليزم» وهو التيار الذي سيصبح مسيطراً ورديفاً «للبوب آرت» في نيويورك. لعل أبلغ ما أثار هؤلاء هو التبادل اللوني بين الخارج والداخل، بين الأمام والخلف، بين المتقدم والمتأخر، وقد اثارتهم بالذات لوحة ماتيس المنجزة عام 1914: «النافذة». يعترف مثلاً مارك روتكو بأن تأمله للوحة «الأوتولييه الحمراء» (منجزة عام 1911) طوال أشهر قاد الى تصويره الاختزالي المعروف، ويؤكد بأن ماتيس هو الأول الذي اختص بلوحات تعتمد فقط على السطوح اللونية». ثم ينجز لوحته «تحية الى ماتيس» منذ عام 1954 مسترجعاً موتيفات لوحة «النافذة» المذكورة. يشتمل العرض على فيلم وثائقي بالغ الأهمية يشرح هذه التأثيرات من أمثال أزرق سام فرانسيس وتجريدات سيمون هانتاي (لوحتين بعنوان ماريال أنجزتا عام 1960م)، وكذلك مجموعة «أوميغا» التي أنجزها لويس موريس ما بين 1959 و 1960، يستثمر هؤلاء طريقة تغذية اللون بطريقة محمومة لدى ماتيس وذلك بترك أبيض الأرضية يتنفس بحدوده القصوى. تنتهي هذه المقارنة مع فرانك ستيلا وأشرطته اللونية المقصوصة المعروفة برمزها: B A F Q عام 1965، يعلن في حينها بأنه توصل الى توليف «ماتيسي - منمالي»، لكن بصمات التأثير تصل الى ما بعد العام 1970 مع كيلي وسواه. - يخرج المعرض في النهاية عن محوره الأميركي ليراجع التأثيرات الحداثية المحلية لماتيس ما بين الملصقات الورقية لهين وفيللوجلي وانتهاء بقيالا عام 1961 والذي قاد حركة: «السطح والأرضية»، والتي انصهرت بعد سنوات بثورة الطلبة في باريس.