ألسنة متنوّعة اللغات، وأقدام انطلقت من مختلف البقاع والأراضي، ليخلقوا خلال موسم الحج كرة أرضية إسلامية خالصة في مكةالمكرمة ومشاعرها المقدّسة، تعيش على توقيت زمني واحد. فبهدف إتمام الركن الأخير من أركان الإسلام، تجمعت الألوان والأجناس المختلفة على الصعيد الطاهر!. ويظهر تلاشي اختلاف العرق والجنس واللون أمام لغة الود والإيمان والإخاء، فلا تكاد العين تلتفت بنظرها من جهة إلى أخرى، إلا وتقع على خارطة عالمية متكاملة التضاريس، مرسومة في وجوه الحجاج، الذين جمعتهم تلبية واحدة تبدأ ب«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك...»، وأدعية وأذكار عدة يشترك فيها الجميع. ولا تقتصر شراكة الحجاج على الأدعية وحسب، بل إنها تمتدّ لتصل إلى العمل على تكوين العلاقات والصداقات بين الشعوب، والتواصل المتبادل والتعارف على ثقافات العالم المختلفة، ويتضمّن ذلك الاهتمام بتطوير العلاقات المكوّنة، لتبقى مستمرة إلى ما بعد موسم الحج، فببضع من الكلمات العربية، وبضع آخر من الكلمات الإنكليزية أو أي لغة أخرى، يتحقق التواصل بقدر الإمكان بين ما يقرب من 180 لغة يتقاسمها الحجاج. يحكي المشرف في إحدى الحملات عبدالعزيز، تجربته مع الحج التي تعد شبه سنوية، فهو شاب اجتماعي يعيش ربيعه ال 33، ما أسهم في تمكّنه من اكتساب صداقات عدة من مختلف الجنسيات، يقول: «الحج فرصة لتكوين الصداقات، واعتدت على تكوين العلاقات مع الحجاج منذ سنوات، سواء من العرب أو غيرهم، وعادة ما تكون بوابة العبور لتلك العلاقات هي تقديم المساعدة للغير». وللحاج البوسني عمر، والحاج السوري حاتم، صداقة من نوع آخر، إذ تكوّنت علاقتهما وسط الازدحام الذي شهده مشعر عرفات، وباستخدام بعض الكلمات المسعفة التي يمتلكها كل منهما والمختلطة بين العربية والإنكليزية، استطاعا تبادل الأحاديث السريعة، ليتبادلا بعد ذلك البريد الإلكتروني، على أمل التواصل بعد أداء فريضة الحج، يقول حاتم: «نحن هنا كشعب واحد متعدد اللغات، وبالتالي أرى أن تكوين العلاقات أحد الأمور الطيّبة التي تكتسب خلال الحج». وبالقرب من جبل الرحمة، تجلس الحاجة الأردنية أم يَزن، وبجانبها الحاجة المغربية هدى، لتلتقيا ببعضهما مجدداً بعد أن ربطتهما المعرفة في موسم الحج قبل ثمانية أعوام، إذ أصبح التواصل الهاتفي مستمراً منذ ذلك الوقت، واتفقتا على أن يكون لقاؤهما في حج هذا العام، تقول أم يَزن: «جميل أن أؤدي الحج مرة أخرى بعد تلك السنوات، ورائع أنني استطعت لقاء صديقتي نادية في المكان ذاته الذي تعرّفنا فيه، فهنا أعدنا سوياً شعائر الحج، وجدّدنا ذكرى لقائنا الأول».