دخلت «الحرب على الإرهاب» في شمال سيناء مرحلة فاصلة بمحاصرة آخر معاقل التكفيريين ممثلاً في جبل الحلال الواقع جنوب مدينة العريش، وسط دلائل على انشقاقات متصاعدة في تنظيم «أنصار بيت المقدس»، أبرز المجموعات التكفيرية في سيناء، تؤشر إلى قرب انفصاله عن تنظيم «داعش»، الذي بايعه في نهاية 2014. وقال مصدر مطلع على ملف الحرب على الإرهاب ل «الحياة»، إن المتطرفين يسعون إلى تشتيت الانتباه عن «تراجعهم الملحوظ» وإظهار تماسكهم عبر التهديد باستهداف المسيحيين، وأمور أخرى. وكان تنظيم «داعش» أعلن في شريط فيديو مسؤوليته عن هجوم البطرسية المرقسية في القاهرة العام الماضي، وتوعد المسيحيين بشن مزيد من الهجمات، كما تبنى فرع التنظيم في سيناء إطلاق صواريخ من سيناء ناحية إسرائيل. وأعلن تنظيم «داعش في سيناء» استهداف الأراضي المحتلة للمرة الأولى في تموز (يوليو) 2015، ثم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وفي 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وأعلنت إسرائيل قبل أيام إطلاق صاروخين من سيناء نحو صحراء النقب، لكن التنظيم المتطرف لم يتبن الهجوم. وعلمت «الحياة» أن «متطرفين فلسطينيين» انخرطوا في صفوف المتشددين في سيناء، بعضهم من العناصر القائمة على صناعة الصواريخ وأفراد النخبة البحرية في «كتائب عز الدين القسام»، والذين انشقوا عن التنظيم، وانضموا إما إلى «السلفية الجهادية» في غزة أو إلى «داعش» في سيناء. ووفق معلومات، فمن بين الذين انتقلوا إلى سيناء عبدالواحد أبو عزرة الذي تم القبض عليه من حركة «حماس» في 2016 ثم إطلاقه بعد تهديدات من السلفية الجهادية، فانتقل إلى سيناء، وهو شقيق مفلح أبو عزرة الذي يُعد من أهم عناصر «الكوماندوز البحرية» في «كتائب القسام»، وانشق عنها وانضم إلى «داعش في سيناء» وقتل العام 2015 في مواجهة مع قوات الجيش. كما انضم إلى «داعش سيناء» أيضاً عبدالإله القشطة، الذي قتل في غارة جوية العام الماضي، وطارق بدوان وهو واحد من أفراد النخبة السابقين في «كتائب القسام» قتل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ومحمد أبو زنيمة من وحدة «الكوماندوز البحرية» في «كتائب القسام» المنشقين وأحد منفذي الهجوم على مكمن «كرم القواديس» في العام 2014، وشقيقه رشاد أبو زنيمة، والأول قُتل والثاني فار، وحسن الجميثني من العناصر المنشقة عن قوات النخبة البحرية في كتائب عز الدين القسام. وعُلم أن أجهزة الأمن أوقفت في اليومين الماضيين 11 فلسطينياً في شمال سيناء، يتم التحقيق معهم. وقال الباحث في شؤون الأمن والإرهاب في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري، إن الأوضاع في سيناء تُرشح حدوث «انشقاق كبير» في صفوف فرع «داعش» فيها. وكان زعيم فرع التنظيم المُكنى أبو هاجر الهاشمي كشف في حوار مع أحد إصدارات «داعش» في نهاية العام الماضي، وجود «انشقاقات» في التنظيم قال إنه يتم التعامل معها ب «الحجة والبيان». وقال البحيري ل «الحياة»: «يبدو أن الانشقاقات التي رافقت قيادة الهاشمي تصاعدت إلى حد توقع قرب انفصال تنظيم أنصار بيت المقدس عن «داعش». وأضاف أن «فيديو تبني هجوم البطرسية يُظهر بوضوح هذا الأمر، فلم يأت الفيديو، ومدته أكثر من 20 دقيقة، على أي ذكر لولاية سيناء ولا تنظيم الدولة الإسلامية، بل على العكس خرج الفيديو باسم تنظيم جديد، هو الدولة الإسلامية في مصر، وهذا أمر لافت ينم عن حدوث انشقاق كبير داخل التنظيم». وتابع «يظهر أن منشقين عن فرع داعش في سيناء يسعون إلى إعلان تنظيم جديد». وقال: «هناك تحول ما يتم داخل التنظيم أقرب إلى حالة فك الارتباط مع داعش. يبدو أن أنصار بيت المقدس بدأ يأخذ منحى جبهة النصرة في سورية حين فكت ارتباطها بالقاعدة ورفضت مبايعة داعش». وأوضح أن «الفيديو الذي يعلن فيه التنظيم المتطرف المسؤولية عن هجوم هو الأكبر في القاهرة، لم يشر إلى أي تبعية لداعش، ولم يأت على ذكر اسم ولاية سيناء ولا تنظيم الدولة الإسلامية، بل اتخذ اسماً جديداً هو الدولة الإسلامية في مصر، وكان يُفترض أن يؤكد ولو حتى بالإشارة إلى داعش، لدحض أي تكهنات تتحدث عن انشقاق ما، خصوصاً أنه يأتي في ظل حالة تراجع للتنظيم الأم في معاقله في سورية والعراق، ومن ثم كان يُفترض أن يمثل هذا الإعلان دعماً للمركز، لكن على العكس تجاهل ذكر تنظيم الدولة الإسلامية ولم يحتو على أي مؤثرات من شأنها دعمه، وطبقاً لمنهجية التنظيم وفكره، فإن هناك دولة إسلامية واحدة، وبقية التنظيمات فروع لها، أما أن يعلن التنظيم اسماً جديداً هو الدولة الإسلامية في مصر، فهذا يضرب مفهوم الحاكمية والخلافة». واعتبر أن الفيديو، الذي ظهر فجأة على مواقع السوشيال ميديا ولم يُطرح عبر أي من منابر «داعش» الرسمية، يرسخ ويؤكد التكهنات بحدوث انشقاقات إلى حد طرح تساؤلات عن انفصال «أنصار بيت المقدس» عن «داعش». وأشار إلى أن تكرار إطلاق الصواريخ صوب الأراضي المحتلة «مرتبط إلى حد كبير بما يحدث من انشقاقات داخل صفوف فرع داعش في سيناء، وتشير إلى نفوذ متصاعد للعناصر المُنشقة عن كتائب القسام» في صفوف أنصار بيت المقدس، خصوصاً أنها تأتي بالتزامن مع تقارب مصري مع حركة حماس، وفي ظل تضييق وضربات عنيفة يتلقاها التنظيم من الجيش المصري». وخلص البحيري إلى أن «عدم تبني ولاية سيناء الإطلاق الأخير نحو الأراضي المحتلة يؤكد أن هناك انشقاقاً كبيراً خلق جماعة جديدة في سيناء. نحن أمام نتيجة تقول إن هناك تحولاً استراتيجياً وعقائدياً يحدث في تنظيم أنصار بيت المقدس أثر في بنيته، قد يصل إلى حد انفصاله عن داعش».