قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمس إن «الصفقة» مع الولاياتالمتحدة القاضية بتجميد إسرائيل للبناء في مستوطنات الضفة الغربية ل 90 يوماً في مقابل حصولها على «رزمة حوافز وامتيازات» أمنية وسياسية لم تتبلور نهائياً بعد، وأنه يجري العمل على صوغها النهائي بين طواقم أميركية وإسرائيلية، «وفي حال تبلورت سأعرضها للتصويت على الحكومة الأمنية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية». في غضون ذلك، ارتفعت أصوات داخل حزب «ليكود» الحاكم وشركائه من اليمين في الائتلاف الحكومي تعارض أي تجميد للبناء، وهدد بعضها بالانسحاب من الحكومة في حال إقرارها. وجاءت أقوال نتانياهو قبيل بدء الاجتماع الأسبوعي لحكومته، وغداة عودته من الولاياتالمتحدة حيث ناقش «الاقتراح الأميركي» مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اجتماع دام نحو ثماني ساعات. وكان نتانياهو ناقش الخطة مع أعضاء «المنتدى الوزاري السباعي» مساء السبت من دون أن يرشح شيء عن هذا النقاش. وأضاف نتانياهو في تصريحاته: «سأصر على ضرورة تلبية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل في أي اقتراح ... سواء في الوقت الراهن أو في ما يتعلق بالتهديدات التي تواجهنا في العقد المقبل». وتابع أنه في لقاءاته أركان الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي «أوضحت أولاً وجوب وقف المشروع النووي الإيراني باعتباره التهديد الأكبر للسلام في العالم، وبطبيعة الحال لإسرائيل أيضاً». وكانت وسائل الإعلام العبرية نقلت عن أوساط نتانياهو النقاط الأبرز في الخطة الأميركية التي تناولها أيضاً رئيس قسم الشرق الأوسط في البيت الأبيض دان شبيرو في محادثة مطولة مع زعماء المنظمات اليهودية الأميركية. الحوافز الأميركية وبموجب الاقتراح الأميركي، فإنه في حال وافقت إسرائيل على تجميد البناء لثلاثة أشهر أخرى في مستوطنات الضفة الغربية، فإن واشنطن ستتعهد عدم مطالبة إسرائيل بتمديد آخر للبناء، وتستخدم حق النقض (الفيتو) على أي قرارات في الأممالمتحدة لفرض تسوية سلمية من جانب واحد أو الاعتراف بإعلان قيام الدولة الفلسطينية، وتحبط عرض «تقرير غولدستون» في شأن جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما تتعهد التصدي لأي قرار مناوئ لإسرائيل في شأن قافلة السفن لقطاع غزة، أو أي محاولة «لسلب إسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها»، وضد محاولات نزع الشرعية عنها في الحلبة الدولية. كما تقدم واشنطن تعهداً بإحباط قرارات دولية تتعلق بفرض رقابة على منشآت إسرائيل النووية. وهناك التزام آخر بزيادة الضغط على إيران وسورية «في كل ما يتعلق بمحاولاتهما تطوير قدرات نووية»، بالإضافة إلى تعزيز المساعدات الأمنية والمالية الأميركية لإسرائيل المتمثلة بمنح الأخيرة عتاداً عسكرياً حديثاً، في مقدمه 20 طائرة حربية حديثة من طراز «أف 35» بقيمة ثلاثة بلايين دولار تُمنح لإسرائيل هبة «للإبقاء على تفوقها النوعي» في المنطقة. وفوق ذلك، وفي حال التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تبرم الولاياتالمتحدة وإسرائيل اتفاقاً أمنياً منفرداً وشاملاً أكثر لتعزيز المساعدات الأمنية الأساسية لإسرائيل. مطلبان أميركيان في المقابل، تقدمت الولاياتالمتحدة بمطلبين رئيسيين من إسرائيل، الأول أن تعلن تجميدها البناء الاستيطاني لمدة ثلاثة أشهر في الضفة، على أن يشمل التجميد كل عمليات البناء التي بدأت منذ انتهاء فترة التجميد السابق أواخر الشهر الماضي (نحو 1649 مبنى جديداً بحسب حركة سلام الآن). لكن أوساط نتانياهو شددت على أن تجميد البناء لن ينطبق على المستوطنات في القدسالشرقيةالمحتلة حيث يقيم أكثر من 200 ألف مستوطن. أما المطلب الثاني الذي أكدته كلينتون على مسامع نتانياهو فيقضي بأن تخوض إسرائيل، عند استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، في مسألة الحدود أولاً، أي ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية، ما يستوجب من نتانياهو توضيح موقفه من مصير المستوطنات المنتشرة في قلب الضفة التي يحول استمرار بقائها دون تواصل جغرافي فلسطيني، وهو ما كان نتانياهو رفضه في وقت سابق بداعي أن المسألة الأولى الواجب بحثها هي الترتيبات الأمنية. وكان نتانياهو التزم في لقائه الرئيس باراك أوباما مطلع تموز (يوليو) الماضي بحث مسألة الحدود، وهو ما دفع بأوباما إلى إقناع الفلسطينيين باستئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. لكن مع استئنافها رفض نتانياهو بحث مسألة الحدود، وهو ما أثار، بحسب تقارير إسرائيلية وأميركية صحافية، غضب الرئيس الأميركي الذي يعتقد أن نتانياهو يتحايل عليه بذرائع مختلفة ويحاول التنصل من وعده. وقالت التقارير إن الاجتماع المطول بين كلينتون ونتانياهو لم يسفر عن اختراق في هذه المسألة. اليمين غاضب واستقبلت أوساط اليمين الإسرائيلي المتشدد الأنباء عن «الصفقة المتبلورة» بإعلان رفضها تجميد البناء في المستوطنات، وهدد البعض بالانسحاب من الحكومة، فيما توعد قادة المستوطنين بإسقاط الحكومة الحالية، ناعتين رئيس الحكومة ب «المتقلب» و«الخاضع للابتزاز». وبرزت المعارضة الأشد داخل حزب «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو، ولم تقتصر على النواب المتشددين من الصفوف الخلفية، إنما جاءت من نائبي رئيس الحكومة سيلفان شالوم وموشي يعالون اللذين يتمتعان بنفوذ كبير داخل الحزب. كما يعارض الخطة الوزراء بيني بيغين ويولي ادلشتاين ويغآل أردان، والأخير يتمتع أيضاً بنفوذ واسع داخل الحزب. وأفادت تقارير صحافية أن اجتماع وزراء «ليكود» الذي سبق اجتماع الحكومة أمس كان عاصفا، وأن يعالون اعتبر اقتراح التجميد «مصيدة عسل» لإسرائيل «ستؤدي إلى أزمة أخرى مع الإدارة الأميركية مع انتهاء فترة التجميد المقترحة». من جهته، حذر شالوم من الخوض في مسألة الحدود، واعتبر اشتراط «الفيتو» الأميركي والمساعدات الأمنية بالموافقة على تجميد البناء في المستوطنات «خطأ استراتيجياً»، وقال إن الامتيازات المقترحة «يجب أن تكون أمراً مفروغاً منه بين دولتين حليفتين استراتيجياً لا يمكن رهنها بتجميد الاستيطان». وأعلن رئيس حزب «شاس» الديني المتطرف نائب رئيس الحكومة إيلي يشاي إن حزبه قد لا يعارض الصفقة إنما يمتنع عن التصويت في حال تعهد الرئيس الأميركي خطياً بأنه يمكن البناء الفوري والواسع والمكثف في كل مستوطنات القدس، وأنه بعد الأشهر الثلاثة يمكن البناء في كل مكان من دون قيود. كما أعلن النائب من حزب «البيت اليهودي» اوري اورباخ أن حزبه (4 نواب) سينسحب من الحكومة إذا أقرت أي تجميد للبناء. وكرر حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان موقفه الرافض تجميد البناء «حتى ليوم واحد»، لكن وزراءه امتنعوا عن التهديد بالانسحاب من الحكومة.