هل قرأت في الفترة الأخيرة خبراً عن كون الرجال في إرتريا، غرب السودان، مرغمون قانوناً على الزواج مرتين، أو مواجهة حكم بالسجن؟ ماذا عن الخبر الذي قال إن البابا فرنسيس "صدم العالم" ويدعم دونالد ترامب، الذي كان مرشحاً للرئاسة آنذاك؟ قد تتساءل: ما علاقة البابا بالسياسة أصلاً، ناهيك عن السياسة الأميركية؟ ماذا عن الخبر الذي قال إن بريطانيا باتت تمنح "فيزا دخول" غير مشروطة لجميع المواطنين النيجيريين، هل قرأته؟ إذا استغربت هذه الأخبار وغيرها التي تنتشر بشراسة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلعلّ ذلك لأنها تندرج تحت مظلة "الأخبار الزائفة" (fake news) التي تجتاح الإنترنت في الفترة الأخيرة، لدرجة أنها باتت "تقتل عقول الناس"، على حد وصف الرئيس التنفيذي لعملاق التكنولوجية الأميركي "أبل"، تيم كوك. وموقف كوك ليس منفرداً بين عمالقة التكنولوجيا في العالم، إذ أن "غوغل" و"فايسبوك" أعلنتا أخيراً تعاونهما مع الإعلام الفرنسي لتأسيس منصة للتحقق من صدقية الأخبار وصحتها. ما هي "الأخبار الزائفة"، ولماذا استنفر قادة الامبراطوريات التكنولوجيّة منها؟ "اتبع الأموال"، تفهم السبب لأن مصدر دخل غالبية مواقع الإنترنت هو الإعلانات، فإنه ليس من الغريب أن يريد أصحاب المواقع رفع نسب القراءات لجني أرباح أكبر. إلا أنه، في ما يبدو، يعتقد مواقع الأخبار الزائفة أن الغاية تبرر الوسيلة، فإذا كانت الغاية أرباحاً ضخمة من "ضغطات" على الصفحات، فإن الوسيلة الأسهل هي اختلاق أخبار غير متوقعة، جاذبة، تستدعي الضغط عليها ونشرها من شدة غرابتها. وداخل منصات التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك" و"تويتر"، تجد الأخبار الزائفة بيئة خصبة للانتشار، الأمر الذي واجهت هذه المنصات انتقادات بسببه، إذ اعتبر البعض أنها أصبحت "حضّانات" للأخبار الكاذبة، وأنها لا تعمل على منع تداولها. وفي نوفمبر الماضي، جابهت "فايسبوك" عاصفة من الانتقاد بعد انتخاب الرئيس الأميركي ترامب، خصوصاً بعدما اعترف أحد موظفي "فايسبوك" (رفض الإفصاح عن هويته) بأن "مارك زكربرغ (رئيس فايسبوك) يعرف، ونحن الموظفون نعرف، أن الأخبار الزائفة انتشرت بجموح على منصتنا خلال الموسم الانتخابي برمّته"، بحسب "بي بي سي". وأياً كان هذا الموظف، فهو على حق، إذ أن تحليل بيانات الأخبار الزائفة عن الموسم الانتخابي الأميركي، تُشير إلى أنها طغت على الأخبار "الحقيقية". الصاقع في الأمر هو أن الأخبار الزائفة التي نالت انتشاراً واسعاً على "فايسبوك"، نالت قراءات أكثر من قراءات الأخبار "الحقيقية" الصادرة عن ما يزيد عن 19 قناة إخبارية مجتمعة! بعبارة أخرى، استطاعت الأخبار الكاذبة، أو أبرعها كذباً على الأقل، التفوق – في عدد القراءات وإعادة النشر – على أخبار "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"هافنغتون بوست"، و"إن بي سي نيوز" وغيرها من الأسماء "المرموقة"، بواقع 8,711,000 "تفاعل" على "فايسبوك" للأخبار الكاذبة، و 7,367,000 تفاعل للأخبار "الواقعية". ثم دُقَّت طبول الحرب... وبعدما اعترفت "فايسبوك" و"غوغل" بنصيبهما من المسؤولية عن انتشار الأخبار الزائفة، تخلَّتا عن وضعية الدفاع واتخذتا وضعية الهجوم. ففضلاً عن تصريحهما بصرامة أن الشركتين ستعملان على منع الأخبار الزائفة، انضمّت "أبل" إلى الهجوم، التي أدركت أن تطبيقها "أخبار أبل" (Apple News) هو أيضاً جزء من مشهد انتشار "زيف" الأخبار، فيما اعتبر رئيسها التنفيذي، تيم كوك، إن التصدي إلى الأخبار الزائفة يستلزم حملة دعائية واسعة النطاق، مثل التي تُحارب الإدمان على المخدرات. وأكد: "يجب أن نرسّخ المفهوم في المدراس. يجب أن نرسّخ المفاهيم لدى المجتمع بأسره". "اللبيبُ بالإشارة يفهمُ".. فما الإشارة؟ كيف التعرّف إلى الأخبار الكاذبة؟ لا يكفي، في أي حال، اختبار "صحة" الخبر بالنظر إلى مستوى غرابته، فليست كل الأخبار الغريبة كاذبة، وليست كل الأخبار الكاذبة غريبة إلى حد الانفضاح (مثل الخبر الذي قال إن "زيمبابوي تُرسل لاعبات كرة القدم إلى البرازيل للتزاوج مع أساطير كرة القدم البرازيليين لتحسين النسل" وإنجاب نوابغ كرويين!). ونشرت النسخة الجنوب أفريقية من "هافنغتون بوست" دليلاً بسيطاً للتعرف إلى هذا النوع من - إذا صح التعبير - الأخبار: 1: الأخبار الكاذبة عادةً ما تحمل روابط (links) غريبة، مليئة بالأرقام أو الأحرف غير المفهومة. 2: الأخبار الحقيقية تحمل إعلانات "جادة"، في حين أن الصفحات التي تحوي أخباراً زائفة قد تحوي إعلانات إباحية. 3: الأخبار "الواقعية" كثيراً ما تنسب أنباءها إلى مصادر معروفة، أما الأخبار الزائفة فمصادرها مجهولة. 4: يُمكن استخدام "غوغل" للبحث عن اسم الصحافي والأخبار التي أصدرها سابقاً. سيتوضح مدى صحة الخبر الذي تشك فيه.