شهدت الأسواق المالية في كل العالم تقريباً الأسبوع الماضي ارتفاعات كبيرة، فقفز اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني، فيما حققت أسعار الذهب والنفط مستويات قياسية جديدة. وكان الخاسر الوحيد هو الدولار، وبالتأكيد العملات المرتبطة به. فبعد إعلان مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي تخصيص 600 بليون دولار جديدة لشراء سندات خزانة لفترات تتراوح بين خمس و10 سنوات، من ضمن ما يسميه المصرف المركزي الأميركي «سياسة التيسير الكمي»، وتزامُن ذلك مع إعلان رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه عدم نية منطقة اليورو ضخ أي مبالغ جديدة على رغم سوء وضع الاقتصاد، خصوصاً في ثلاث من دول المنطقة هي إيرلندا والبرتغال واليونان، حلقت المؤشرات وأسعار صرف العملات. بلغ مؤشر الأسهم في لندن رقماً لم يسجله منذ أربعة أشهر، وعاد المؤشر الألماني «داكس» إلى مستواه قبل الأزمة المالية في منتصف 2008 فوق ستة آلاف 735 نقطة، وسجل المؤشر الفرنسي «كاك» مستوى لم يصله منذ سبعة شهور. ولم يتأخر المؤشر الأميركي «داو جونز» في الاستفادة من النقد الرخيص، فارتفع إلى 11 ألفاً و435 نقطة، كاسباً 211 نقطة جديدة. وانتعش اليورو في مقابل الدولار إلى 1.43 دولار، وازداد الجنيه الإسترليني من 1.60 إلى 1.62 دولار بعد إعلان الضخ الجديد، وانخفض الدولار إلى 80.65 ين ياباني، وبمعدل انخفاض وصل إلى اثنين في المئة من قيمته قبل إعلان التيسير الكمي. وارتفع سعر الذهب بمعدل 46 دولاراً للأونصة التي سجل سعرها مستوى جديداً عند 1383 دولاراً (قفز هذا الأسبوع إلى ما فوق 1400 دولار)، في حين حقق سعر النفط الخفيف أعلى مستوياته منذ سبعة شهور عند 86.5 دولاراً للبرميل. وانتقدت دول أوروبا وعلى رأسها فرنسا وألمانيا سياسة مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي، وقال وزير المال الألماني ولفغانغ شويبله إن «سياسة المجلس تقوّض صدقية السياسة المالية للولايات المتحدة، وربما قادت اقتصاد العالم إلى انخفاضات متتالية». إلا أن هذا الانتقاد لم يثن المجلس عن خطته، وتنفيذ سياسة التيسير الكمي بمبلغ 600 بليون دولار، وهي الخطوة الثانية التي ينفذها بعدما ضخ 1.75 تريليون دولار في المرحلة الأولى التي استمرت من كانون الأول (ديسمبر) 2008 إلى أيار (مايو) الماضي، لعلاج التباطؤ في اقتصادها، وتقليص رقم البطالة الذي يراوح عند 10 في المئة لزمن طويل نسبياً. ولأن أزمة الولاياتالمتحدة هي مشكلة العالم كما يقولون، فما يحدث هناك لا يقتصر أثره على أكبر اقتصاد عالمي، وإنما يتعداه إلى بقية الدول، فالمتوقع أن تكون دول الخليج الأكثر تأثراً، لارتباط عملاتها بسعر صرف ثابت في مقابل الدولار. فانخفاض الدولار يعني مزيداً من الغلاء للسلع المستوردة من أوروبا واليابان وغيرها، وهو ما يعني زيادة معدل التضخم الذي يراوح عند 5.5 في المئة حاليّاً. وإذا كان ارتفاع أسعار النفط المسعر بالدولار يعتبر جيداً للخليج، إلا أنه عنصر واحد فقط تصدره دول المنطقة في مقابل آلاف السلع والخدمات التي تستوردها. كما أن المدخرات بالدولار وهي كبيرة ستتأثر انخفاضاً بمقدار انخفاض الدولار، في مقابل العملات الصعبة الأخرى، وهذا هو السبب غير المعلن لسعي المصرف المركزي الصيني إلى تنويع مدخراته بشراء ثلاثة آلاف طن من الذهب خلال السنوات الثلاث المقبلة. ليس الوقت مناسباً حاليّاً لدول الخليج لفك الارتباط بالعملة الأميركية والتحول إلى سلة من العملات، فالوضع العالمي غير مطمئن، إلا أن هذا لا يعفي متخذي السياسات في بلادنا من مهمة إيجاد حل عاجل لتجنيب أسواقنا موجة تضخمية منتظرة. ولعل إعادة تقييم عملات الخليج ورفعها في مقابل الدولار هو أنسب الحلول حاليّاً، كما أن وضع بعض القيود على الاستيراد من أوروبا، خصوصاً الكماليات التي لا نحتاجها كثيراً، وكذلك تكثيف الرقابة على الأسعار التي يرفعها التجار تماشياً مع الموجة، هو أمر حيوي، قبل أن تقفز الأسعار إلى مستوى لا يحتمله كثير من الأسر والأفراد.