«لا انترنت في المنزل بعد اليوم ومن يعترض فسيحرم من مصروفه طوال الشهر». بهذا القرار الحاسم انهى محمد صبيح عاماً من العزلة الأسرية التي عاشها اولاده منذ ان ربط جهاز الكومبيوتر في المنزل بشبكة الانترنت. محمد لا يرى ابنته هدى وابنه صميم إلا لبضع دقائق في اليوم. فالفتاة لا تكاد تعود من الجامعة حتى تتوجه الى الكومبيوتر لتتحدث مع أصدقائها عبر الشات وال «فايسبوك». تتناول غداءها وهي أمام الجهاز ذاته اثناء الحوار ولا تغير ملابسها إلا حينما تشعر بالنعاس فتلقي التحية قبل النوم وتغادر الى سريرها ليتسلم شقيقها صميم مكانها الى ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل. بل إن الاب شاهد صميم مراراً وهو يسهر الى ما بعد صلاة الفجر امام ذلك الجهاز السحري الذي سرقه من عائلته لساعات طويلة. يقول الأب: «حينما خضعت لارادة ابني وربطت الجهاز بالانترنت قبل نحو عام، لم اتوقع يوماً ان الأمر سيبعدهما عني وعن أمهما، فقد تحولا عبدين للانترنت ولم نعد نجتمع معاً على الغداء او العشاء، وبات كل واحد يعيش في عزلة غريبة لا تؤنسها الا الحوارات التي تدور مع اصدقائهما على الشات». ولأن الاب شعر بأن غريمه الوحيد الذي سلب منه لحظات الاجتماع بولديه كما كان يفعل في السابق كان ذلك الجهاز الذي اشرف بنفسه على وضعه، قرر ان ينهي الأمر وأن يفصل الانترنت ومتعلقاته الى الأبد عن المنزل. لكن هدى التي ابدت اعتراضاً كبيراً على قرار والدها ترى انها ستكون وحدها ضحية هذا القرار، فشقيقها صميم سيقضي اوقاته في مراكز النت وزيارة بيوت اصدقائه، اما هي فلن تتمكن من استخدام الانترنت الا في الجامعة وستحرم من الجلوس امام شاشة الكومبيوتر لبقية الساعات التي ينتهي فيها الدوام الجامعي بعد عودتها الى المنزل. وتعترف هدى بأنها باتت مدمنة على استخدام الانترنت وبأنها تقضي ساعات طويلة امام الشاشة، لكنها في الوقت ذاته تشعر بأنه الامر الوحيد الذي يسليها في هذا العالم، بل انه هو ذاته عالمها الخاص الذي تريد ان تعيش فيه. وليست هدى وحدها التي تشعر بأن الانترنت تحولت الى عالم خاص بل ان الكثيرين من الشباب باتوا يعدون الانترنت ضرورة في حياتهم كما المأكل والملبس. ولا تنتهي قائمة الاتهامات والانتقادات التي يواجهها الشباب الذين ادمنوا الانترنت لساعات طويلة غير مبالين بأن هذا الادمان ابعدهم عن عائلاتهم التي شعرت بأنها فقدت لحظات أسرية جميلة وضرورية لمصلحة ذلك العالم الخاص الذي يمقته الاهل. وبات ال «فايسبوك» و «الشات» ملجأ كثيرين من الشباب الذين يجدون في الانترنت مهرباً ملائماً من مشاركة عائلاتهم جلسات السمر والنقاش العائلي. وفسحت الانترنت المنزلية، على رغم سوء الخدمة في العراق، امام الشباب من الجنسين مجالاً جديداً للإدمان الذي لا ينتهي بل اخذ يزداد يوماً بعد يوم ويدفع الكثيرين من الشباب الى الجلوس أمام جهاز الكومبيوتر لساعات طويلة بملابس العمل او الدراسة قبل الانتباه الى وضعهم. وتشير دراسة حديثة أجرتها منظمة «واحة الشباب» العراقية الى ان الانترنت باتت بديلاً من الجلوس مع العائلة لا سيما بين الشباب الذين يتمتعون بفردية عالية والطلاب او الذين يعانون من خلافات عائلية مع احد الأبوين. وأكدت الدراسة ان 74 في المئة من الشباب الذين يدمنون الانترنت يلجأون اليها بسبب وجود مشكلات معينة مع احد الابوين ورغبتهم في الفرار من النقاشات العائلية والمواجهات فيما يلجأ آخرون الى الانترنت لأسباب اخرى تتعلق بالشعور بالوحدة او البحث عن روابط مع أناس من مجتمعات مختلفة. ولخصت الدراسة التي شملت عينة من 300 شاب وفتاة يقضون بين 8 و12 ساعة امام الانترنت، ان الذكور اكثر إدماناً على الانترنت من الاناث، محذرة من تحول هذا الامر مرضاً اجتماعياً يصعب علاجه في المستقبل.