في اللهجة الشعبية المصرية أن فلاناً «عايش مع نفسه» والمعنى أن صاحبنا لا يهتم إلا بأموره ولا يشغل باله بالآخرين حتى لو كانوا على علاقة بشكل أو بآخر به أو أنهم مؤثرون على ظروفه. وفي السياسة الداخلية المصرية يبدو الحزب الوطني الحاكم «عايش مع نفسه»، كما ظهر من تصرفاته وسلوكه وسياساته أنه وحده على الساحة وأن لا أحد ينافسه على السلطة أو النفوذ أو الانتخابات. وبغض النظر عن تصريحات رموز الحزب حول الانتخابات البرلمانية المقبلة يوم 28 الشهر الجاري والتي يشددون فيها كثيراً على حرص الحزب على نزاهتها وشفافيتها ونظافتها، وكلها تصريحات تدخل في باب العلاقات العامة، فإن الحزب لا يبدو مشغولاً كثيراً بالمنافسة مع القوى السياسية الأخرى. وبمعنى أوضح فإنه لا يعتد إلا بنفسه ولا يحسب حساب شركائه على المسرح السياسي، وكأنه ضمن الفوز بغالبية مقاعد البرلمان. بالأمس انتهى الحزب من أهم ما كان يشغله طوال الأسابيع الماضية حيث قدم طلبات مرشحيه الى لجان قبول طلبات الترشيح للانتخابات البرلمانية، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها الحزب بتقديم الطلبات من دون المرشحين أنفسهم، وجاءت الخطوة كحل لمشكلة مزمنة ظل يعاني منها في كل انتخابات سابقة تتعلق بانشقاق أعداد كبيرة من اعضائه عنه، وإقدامهم على تقديم أوراق الترشيح كمستقلين منافسين لمرشحي الحزب بعدما يتم استبعادهم من الترشيح على لوائحه، وفي كل مرة كان عدد الفائزين في الانتخابات من المرشحين المستقلين (المنشقين) دائماً أكبر من عدد الفائزين بمقاعد من الذين خاضوا الانتخابات كمرشحين للحزب. صحيح أن غالبية الفائزين تعود مجدداً الى عضوية الحزب الذي يبارك عودتها ليضمن الغالبية البرلمانية إلا أن الأمر ظل محل انتقاد بالغ من كل القوى كما أنه يكشف سوء اختيار المرشحين أحياناً أو عجز الحزب عن دعم مرشحيه في مواجهة المنشقين في أحيان أخرى. هذه المرة لجأ الحزب الى أسلوب جديد حتى لا ينافس نفسه وكي يحرم المستبعدين من لوائحه من الترشيح! حيث قدم الطلبات قبل إغلاق باب الترشح مباشرة ليضيع الفرصة على المستبعدين الذين لم يعد أمامهم سوى مساندة الذين اختارهم الحزب. واللافت أن الحزب يسعى الى الإيحاء بأن عملية اختيار المرشحين خضعت لمعايير تتعلق بحسن السمعة والشعبية، فاعتمد أسلوب «المجمع الانتخابي» الذي يقوم على انتخاب أعضاء الحزب في كل دائرة لمرشحهم من بين أكثر من مرشح، إضافة الى تقييم اسماء طالبي الترشيح بناء على سمعتهم وكفاءتهم، إلا أن أشخاصاً بعينهم وخصوصاً وزراء في الحكومة «فازوا بالتزكية» في «المجمع الانتخابي» وصار هؤلاء حتى قبل فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية مرشحي الحزب في دوائرهم واعتبرتهم دوائر عدة في مصر وكأنهم فازوا بمقاعدهم في البرلمان حتى قبل أن تجري الانتخابات. انشغل الحزب الحاكم في مصر بنفسه في الفترة الماضية وكأنه وحده على الساحة ولم يخف بعض الذين «فازوا» ونالوا الترشح في الانتخابات على لائحة الحزب فرحتهم لمجرد أنهم سيخوضون الانتخابات البرلمانية في ظل حماية الحزب لهم من دون اعتبار أن المعركة الحقيقية في الانتخابات لم تجر بعد وأن يوم الاقتراع هو 28 من الشهر الجاري وليس قبله. كل هذه التفاعلات تعكس مشكلة النظام والحزب في مصر وتؤكد أن اعتقاداً راسخاً لدى البعض بأن نظام الحزب الواحد لم يتغير إلا في الشكل، وأن «الاتحاد الاشتراكي» وهو التنظيم السياسي في العهد الناصري تحول إلى «حزب مصر» في عهد السادات ثم الى «الحزب الوطني» في عهد الرئيس حسني مبارك، وأن باقي الأحزاب الأخرى ما هي إلا مكمل لصورة آن الأوان لتصحيحها، لكن يبدو أن كل أطراف اللعبة السياسية راضون بالصورة كما هي عليه الآن فلا الحزب الحاكم ولا أحزاب وقوى المعارضة ترغب أو لديها القدرة على استبدال الصورة خشية أن تخرج منها. فالوضع الحالي مرض لكل الأطراف التي لا تضمن حقيقة قدراتها إذا ما سادت ديموقراطية كاملة .. فلماذا المخاطرة؟