سترخي نتائج الانتخابات النصفية الأميركية، المتمثلة بفوز الحزب الجمهوري بغالبية مقاعد مجلس النواب واستمرار سيطرة الحزب الديموقراطي على مجلس الشيوخ، والتي أفقدت الرئيس باراك أوباما وحزبه الديموقراطي الهيمنة على السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً خلال السنتين الماضيتين، ظلالها على معظم السياسات الداخلية والاقتصادية الأميركية في السنتين المقبلتين، ومنها سياسات الطاقة والبيئة. لقد أخفق أوباما على رغم النفوذ الذي كان في حوزته في السنتين الماضيتين وعلى رغم محاولاته الدائبة في هذا المضمار، في نيل موافقة الكونغرس على تشريع موحد للطاقة والبيئة. وسيكون من الصعب جداً عليه الآن تشريع سياسات الطاقة والبيئة التي يبتغيها في ظل الشرخ الواضح في الاتجاهات السياسية للرأي العام الأميركي. فمن الصعب جداً الحصول على موافقة حزب الشاي والحزب الجمهوري أو حتى عدد من أعضاء حزبه الديموقراطي على قوانين بيئية تفرض ضرائب إضافية على المستهلك الأميركي. ويُتوقع من ثم ان يطرح أوباما سياسات «متواضعة» في مجالات بدائل الطاقة أو تحسين أداء برامج الطاقة، وهي سياسات يُرجَّح ان تسترضي الأطراف كلها في الوقت ذاته، لكن من دون فرض أعباء مالية إضافية على المواطن الأميركي. فقد فاز الجمهوريون وحزب الشاي من خلال الترويج لسياسة واضحة معادية لأي ضرائب إضافية، وفي وضع اقتصادي واهن حيث هناك ما لا يقل عن خمسة ملايين عاطل من العمل. يتمثل أحد الإخفاقات المهمة لأوباما في هذا المضمار، في محاولته خفض الانبعاثات المضرة للبيئة بنحو 17 في المئة بحلول عام 2020، كما أعلن في مؤتمر كوبنهاغن البيئي. ويُتوقع في هذا المضمار ان يبادر أوباما إلى الاعتماد أكثر على دائرة حماية البيئة في تنفيذ القوانين ذات الصلة بطريقة أكثر صرامة من قبل، وهذا يعني ان المعارضة ستوجه حملاتها وانتقاداتها إلى هذه الدائرة الحكومية، كما ستحاول تقليص موازنتها بمقدار الإمكان لشل قدرتها عن العمل الفاعل. وبما ان شركات النفط تؤيد عادة الحزب الجمهوري وتدعمه مالياً في حملاته الانتخابية، ستحاول هذه الشركات ان تجمد أي محاولة من جانب الديموقراطيين لتشريع ضريبة إضافية على الشركات المستوردة للنفط الخام بقيمة ثمانية سنتات لكل برميل، أو تشريع قانون يفرض على الشركات النفطية المنتجة في الولاياتالمتحدة المساهمة في صندوق تعويض التلوث البيئي، الذي يُقدَّر مجموع الأموال التي يمكنه جمعها بنحو 31 بليون دولار، والذي تُخصص أمواله لتعويض الأضرار الناجمة عن تسربات نفطية كما حدث في حقل ماكوندو هذه السنة. من نافل القول ان إدارة أوباما حاولت خلال السنتين الماضيتين تنفيذ إحدى أهم السياسات التي تعهدت بها أثناء الانتخابات الرئاسية والمتمثلة في تقليص الطلب على النفط الخام. فقد بادرت فعلاً إلى زيادة كمية الوقود العضوي الممزوجة في البنزين والديزل التقليديين، كما بادرت إلى تحسين أداء السيارات بما يمكّن من استعمال وسائل النقل لمسافات أطول بكميات أقل من الوقود. ويُتوقَّع ان تستمر الإدارة في محاولاتها هذه لتقليص استعمال الوقود التقليدي، أو استعماله بطريقة اقتصادية اكثر، من خلال القوانين المشرعة وغير المنفذة إلى الآن. وهذه المحاولات مهمة لصناعة النفط العالمية نظراً إلى ان استعمال وقود المواصلات في الولاياتالمتحدة يشكل نحو 25 في المئة من مجمل الاستهلاك العالمي، ناهيك عن أهمية القوانين المشرعة في الولاياتالمتحدة بخصوص نوعية السيارات الجديدة المنتجة، وانعكاسات هذه الخطوات عموماً على نوعية السيارات المنتجة عالمياً. واضح ان أوباما نجح حتى الآن في مبادراته المتعددة لتقليص استعمال النفط، لكن الطريق إلى تبني سياسات جديدة ستكون صعبة في المرحلة المقبلة، إذ يجب عليه الآن ان يتبنى سياسة أكثر حذراً تأخذ في الحسبان آراء زعماء حزبه وأحزاب المعارضة في الوقت ذاته. وهذا يعني، مثلاً، ان السياسات المبتغاة لتخصيص مبالغ طائلة لدعم السيارة الكهربائية أو تأسيس مصرف لدعم تمويل البنى التحتية للطاقات البديلة، وهي من المشاريع المقترحة المهمة، قد تتأخر بعض الوقت، أو قد تُهمَّش وتُحجَّم بحجب المبالغ اللازمة لها. لكن في نهاية المطاف، يجب التنويه بأن التأخير في بعض هذه المشاريع المقترحة لا يعني بتاتاً الاستغناء عنها كلياً. فالهدف في استغناء الولاياتالمتحدة عن النفط الخام المستورد، هذا الهدف غير الواقعي والبعيد المنال، يبقى شعاراً أساسياً للحزبين الجمهوري والديموقراطي، كما يشكّل جزءاً مهماً من السياسة الأميركية الأمنية التي تحاول الانفكاك تدريجاً عن الاعتماد الكبير في استيراد الطاقة من الدول العربية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة