سيطرت الاشتباكات المسلحة على مدينة معان (جنوبالأردن)، لليوم السادس على التوالي، حيث تبادل أفراد من الدرك، ومُحتجّون غاضبون على مقتل أحد الشبان، إطلاق العيارات النارية، ليل الجمعة - السبت، ما أدى إلى وقوع 5 جرحى، إصابة أحدهم خطرة، بحسب مسؤول أمني رفيع. وقال شهود عيان ل"الحياة" إن "المدينة تشهد بين الفينة والأخرى اشتباكات عنيفة، وأن أصوات الرصاص تعلو في مناطق عديدة، لا سيما منطقة وسط المدينة". وقال أحد الشهود، ويُدعى إبراهيم كريشان، إن "مُحتجّين ألقوا الحجارة، وأحرقوا الإطارات، وحاويات القمامة، وأغلقوا الطرق أمام سيارات ومدرعات الدرك." وأضاف شاهد آخر، يُدعى ماجد الشلبي، أن "الاشتباكات التي استمرت حتى ساعات صباح اليوم، حوّلت الطرقات إلى ميادين معارك، مع تصاعد الدخان واستمرار إطلاق الرصاص". وقال شاهد ثالث إن "الاشتباكات ما تلبث أن تهدأ حتى تعود، لكن الهدوء الحذر حالياً يسود المكان، مع انسحاب قوات الدرك إلى حدود المدينة". وأكد مسؤولون أمنيون ل"الحياة"، أن تجدد الاشتباكات ليس له موعد محدد، لكنه غالباً ما يعود في شكل أكثر ضراوة مع ساعات الليل. وقال مسؤول أمني رفيع، رفض كشف هويته، "هناك 5 إصابات جديدة بين المُحتجّين، وهي إصابات طفيفة ومتوسطة، باستثناء واحدة خطيرة، نُقل صاحبها لتلقّي العلاج في عمان". وأضاف "ما يقلقنا أن السلاح موجود في كل مكان.. بعض المُحتجّين أطلقوا الرصاص على المقار الأمنية في المدينة، لكننا مستمرون في حملتنا، لاستعادة الهدوء". وهذه المرة الأولى، التي يُطلق فيها الرصاص على مقار مُحصّنة تتبع جهاز المخابرات العامة، داخل المدينة الصحراوية، وهو جهاز قوي يمتلك نفوذاً كبيراً في البلاد. ويقول رئيس بلدية معان، ماجد الشراري، ل"الحياة" إن "الأوضاع في المدينة ليست مستقرة، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات". وأضاف "هناك أحد المصابين حالته خطرة. إنه بين الحياة والموت." وتابع "ما يُعقّد المشهد أكثر أن هذا الأخير فقد اثنين من أشقائه خلال الحملات الأمنية التي نُفّذت في غضون عام". أسباب الاضطرابات وكانت أعمال العنف الأخيرة قد اندلعت في معان، بعد إعلان السلطات الثلثاء الماضي مقتل الشاب قصي الإمامي (19 عاماً)، خلال مطاردات نفذتها قوات الدرك، بحثاً عن "مطلوبين". والإمامي الذي ينتمي إلى التيار السلفي الجهادي (الموالي لتنظيم القاعدة) في المدينة، هو عاشر مواطن يقضي في غضون عام، خلال اشتباكات لا تكاد تهدأ بين قوات الدرك، ومُحتجّين في المدينة. ومعان معقل قبلي، يسكنها نحو 60 ألفاً، وتقع على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوبيعمان، ويُعرف عنها تحديها السلطة المركزية. وكانت هذ المدينة التي تعاني من الفقر والتهميش مسرحاً لاضطرابات مدنية شابتها أعمال عنف منذ عام 1989، وينشط بين سكانها منذ فترة طويلة "إخوان" الإمامي (السلفيون الجهاديون)، ويحمل العديد منهم أسلحة، ويقاومون ضغوطاً لإلقاء السلاح. ويقول الكاتب والمُعلّق السياسي، ياسر أبو هلالة، الذي يتحدر من المدينة ذاتها، إن "الوضع في معان خارج السيطرة، وإن استمر كذلك ستُراق دماء معصومة، وقد يُزج بالجيش لحسم الأمور". وأضاف ل"الحياة" أن "وزير الداخلية، حسين المجالي، أساس المشكلة، وعاجز عن حلّها. نحتاج شخصيات من الدولة ليست طرفاً فيها، مثل رئيس مجلس الأعيان (مجلس الملك)، أو رئيس مجلس النواب، أو وزراء آخرين، يقابلهم بلدية معان ووجهاؤها بمن فيهم السلفيون، على اعتبار أن القتيل أحد أتباعهم". موقف الحكومة وكانت الحكومة قد رفضت التعليق على استمرار الأزمة في معان، لكن وكالة الأنباء الرسمية "بترا" نقلت على لسان وزير الداخلية تأكيداً أن الحملة الأمنية مستمرة هناك. وقال المجالي إن "العملية الأمنية في معان مستمرة، وتستهدف عدداً محدوداً من الخارجين على القانون، والمطلوبين قضائياً وأمنياً، وكلّ من يثبت تورّطه بحادثة الاعتداء على قوات الدرك، وأعمال الشغب، وما رافقها من اعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، وترويع المواطنين". وأضاف أن "الدولة الأردنية وأجهزتها الأمنية قادرة على فرض هيبة الدولة، وبسط القانون والنظام العام، ووضع حد لكل فئة تحاول العبث بأمن المدينة، وطمأنينة المواطنين وسلامتهم". لكن والد الشاب المقتول حمّل وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية في معان مسؤولية ما تشهده المدينة، مطالباً بكشف قاتلي ولده. وقال، خلال استقباله تظاهرة حاشدة أمام بيت العزاء، اليوم، إن "معان تتعرّض لمؤامرة منذ العام 1989. معان تفتقر لكل مقومات الحياة، وهناك بطالة بنسب كبيرة بين شبانها، حتى التعامل مع المطلوبين أمنياً في المدينة مختلف عن بقية مناطق المملكة". وكان مئات المحتجين قد خرجوا في تظاهرة جابت شوارع المدينة الصحراوية، وانتهت أمام منزل الشاب الإمامي، سُمع خلالها هتافات غاضبة طاولت كبار المسوؤلين. كما رفع بعض المحتجين المحسوبين على التيار السلفي، خلال التظاهرة، الرايات السوداء التي تشبه رايات تنظيم القاعدة. وكانت مدن أردنية في شمال وجنوب المملكة قد شهدت مساء أمس تظاهرات تضامنية مع مدينة معان. كما خرج المئات من سكان العاصمة عمان، الذين يتحدّرون من معان، في تظاهرة وصلت الديوان الملكي، لليوم الثاني على التوالي، وردّدوا هتافات غاضبة، طالبت بسحب الأمن والدرك من المدينةالجنوبية.