ثمّة مؤشّرات مهمّة تشي بانفراج محتمل للقضيّة الكرديّة في تركيا. فبخلاف ما كان متوقّعاً، مدد حزب العمال الكردستاني الهدنة التي أعلنها من جانب واحد يوم 13/8/2010 الى ما بعد الانتخابات البرلمانيّة التركيّة صيف 2011. وهذه الهدنة، هي السابعة من نوعها، منذ عام 1993، والثالثة، في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلاميّة التي يرأسها رجب طيب أردوغان منذ 2002، أعلنها الجانب الكردي، في شكل انفرادي، بغية السعي لطيّ الملفّ الكردي، في شكل ديموقراطي سلمي، لا عبر خطوات أمنية تصعيدية. وفي المبادرة الأخيرة للكردستاني، وإعلانه الهدنة في شهر رمضان المبارك، من 13 آب إلى 20 أيلول، ثم تمديد الهدنة لأسبوع، فلِشهر، لغاية 31 تشرين الأوّل، الا ان الحكومة والجيش التركيين استمرّا في تعاطيهما العسكري التقليدي مع القضيّة الكرديّة، عبر استمرار حملات التمشيط العسكريّة والسياسيّة، ما أدّى إلى مقتل نحو 29 مقاتلاً كردياً، واعتقال المئات من النشطاء السياسيين والحقوقيين الأكراد ومحاكمتهم، ما يشير إلى أن الدولة تضع الكردستاني أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا الاستسلام من دون قيد أو شرط، أو معاودة النشاط. وكانت الأنظار متّجهة إلى إعلان الكردستاني تبنّي الخيار الثاني، لكن أتى تمديده هدنته الى ما بعد الانتخابات الاشتراعيّة صيف 2011 كمفاجأة، تؤكّد أن هناك ثمّة ما يدور خلف الكواليس. وبالفعل، جاء تصريح آيسال توغلوك، (البرلمانيّة الكرديّة السابقة، ومحاميّة الزعيم الكردي عبدالله أوجلان)، بعد لقائها بموكّلها يوم 1/11/2010، ليلقي بعض الضوء على ما يجرى في سجن جزيرة إمرالي الذي يُسجن فيه أوجلان منذ 15/2/1999. فبحسب توغلوك فإن اللقاءات التي تجريها الدولة التركيّة مع أوجلان في سجنه «وصلت لمرحلة المفاوضات». وهي تجاوزت مرحلة المشاورات والاستماع لوجهات النظر، ووصلت الى التفاوض حول قضايا مهمّة وحسّاسة وجدّيّة للغاية. ونقلت توغلوك عن موكِّلها، تنديده بالهجوم الانتحاري الذي شهدته ساحة تاكسيم في اسطنبول يوم 31 من الشهر الماضي، ومطالبته بتشكيل «لجنة تحقيق وتقصّي حقائق بخصوص هذه الجريمة الى جانب جريمة قرية بيانيس، التابعة لمحافظة شرناخ، بتفجير لغم، ومقتل 10 مقاتلين أكراد. على صعيد تمديد الكردستاني لهدنته، أكّدت توغلوك بأنّها وأوجلان، كانا على علم بأن الكردستاني سيعلن هذه الخطوة. ما يعني أن أوجلان، مطلع على ما يجرى خارج السجن. الجدير بالذكر أن حزب العمال، قد أرفق تمديده هدنته بمطالب عدّة معتدلة ومعقولة، ولا تخرج من سقف مطالب الاتحاد الأوروبي من تركيا، ويمكن تلخيصها بالآتي: 1. وقف حملات التمشيط العسكريّة بحق المقاتلين الأكراد. ووقف الحملات السياسيّة بحق حزب السلام والديمقراطيّة (له 20 عضواً في البرلمان التركي) والنشطاء السياسيين والحقوقيين الكرد، وإطلاق سراح السجناء السياسيين وسجناء الرأي والضمير كافّة. 2. سنّ دستور مدني جديد، يعترف بالموازييك القومي والديني والمذهبي في تركيا، ويضمن حقّ التعلّم باللغة الأمّ في مناهج التربيّة والتعليم في تركيا. 3. تحسين أوضاع الزعيم الكردي أوجلان، كي يساهم في شكل فعّال في مساعي الحلّ السلمي للقضيّة الكرديّة. كما أشار العمال الكردستاني إلى أن لا علاقة له بأيّ شكل من الأشكال بالهجوم الذي استهدف ساحة تاكسيم باسطنبول. وندد بالهجوم، موضحاً أن استهداف المدنيين، «ليس من أخلاقه». وانتقد بشدّة بعض الجهات الإعلاميّة التركيّة التي سعت إلى لصق التهمة به، فور حدوث الانفجار. هذا وتلقّفت وسائل إعلام تركيّة وعالميّة قرار الكردستاني تمديد هدنته، باهتمام شديد. ومن بين تلك الصحف والوكالات التي تناقلت النبأ، «رويترز»، و «اسوشييتد بريس»، و «بي بي سي»، و «لوموند»، و «لوفيغارو»... وتوافقت صياغة نقل هذه المؤسسات للخبر على الشكل الآتي: «المتمرّدون الأكراد، ينفون أيّة علاقة لهم بالهجوم الانتحاري في ميدان تاكسيم، ويمددون هدنتهم الى ما بعد الانتخابات البرلمانيّة صيف 2011». ومن الملاحظ أن العمال الكردستاني، قد خفّض كثيراً من سقف مطالبه، من الدولة القوميّة للكرد إلى الحقوق الوطنيّة الديموقراطيّة لكل مواطني تركيا، على اختلاف أعراقهم وقوميّاتهم وأديانهم ومذاهبهم، ومن ضمنهم الكرد. حتّى إن الكردستاني لم يعد يثير مسألة الإفراج عن زعيمه أوجلان، مراعاة للحساسيّات التركيّة، أقلّه في هذه الفترة. وبحسب ما نقلت توغلوك عن أوجلان، فإن الأخير طالب النخب السياسيّة والثقافيّة، وكل الإعلاميين التوّاقين للسلام، داخل وخارج تركيا، من الأتراك والأكراد والعرب وغيرهم، ب «تكثيف الجهود، والاشتراك في مساعي الحلّ السلمي للقضيّة الكرديّة في تركيا». ذاكراً أن هذا الحلّ «يخدم تركيا وأمنها واسقرارها، وأمن واستقرار الشرق الأوسط». وبحسب الكثير من المراقبين، فإن إعلان الكردستاني تمديده الهدنة، عطفاً على ما نقلته محاميّة أوجلان، آيسال توغلوك، عمّا يجرى في سجن جزيرة إيمرالي من مفاوضات، يشي باقتراب حلّ للقضيّة الكرديّة في تركيا، طالما أن الدولة، بدأت بالعنوان الصحيح عبر الدخول في مفاوضات مباشرة مع أوجلان، وغير مباشرة مع العمال الكردستاني. ولأن العبرة في النتائج، فإن الأهمّ من دخول أنقرة في مفاوضات مباشرة مع أكرادها وزعيمهم أوجلان، هو النتائج الناجمة عنها، والتي ستكون في مصلحة تركيا وشعوبها، بل سينعكس ذلك إيجاباً على مجمل تفاصيل الجوار التركي. ومن الأهميّة بمكان الإشارة إلى أن هذه ليست المرّة الأولى التي تدخل أنقرة في مفاوضات مباشرة مع أوجلان. فقد سبق أن دخل الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، وعبر الوسيط الكردي - العراقي، الرئيس جلال طالباني، في مفاوضات غير مباشرة، كادت تصل للمفاوضات المباشرة، بل تتكلل بالنجاح، إلّا أنها فشلت، بعد اغتيال أذرع أوزال. والمرّة الثانيّة لدخول أنقرة في مفاوضات غير مباشرة مع أوجلان، كانت في زمن حكومة نجم الدين أربكان، عام 1997، عبر الحركة الإسلاميّة. وهي باءت بالفشل، بعد الانقلاب الأبيض على حكومة أربكان والإطاحة به وبحزبه، حزب الرفاه الإسلامي، عبر المحكمة الدستوريّة. وحاولت حكومة أردوغان الاقتراب من الملفّ الكردي، عبر بعض الخطوات الطفيفة والمرتبكة، وبالقفز من على دور أوجلان وحزبه الكردستاني، إلاّ أن مساعي العدالة والتنمية باءت هي أيضاً بالفشل. والسؤال: هل سيتّخذ أردوغان وأوجلان قرارات حاسمة ومؤلمة وجريئة، لإنقاذ تركيا من دوامة العنف والدم، وانتهاج لغة منتصف الطريق، لحلّ القضيّة الكرديّة، وتقديم تركيا جديدة للعالم معافاة للفضائين الأوروبي والشرق الأوسطي؟