بعد عشرين عاماً من المداولات أمام المحاكم الإسرائيلية، نفذت الشرطة حكماً من محكمة العدل العليا بإخلاء البؤرة الاستيطانية العشوائية «عمونا» المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة في قرية سلواد شرق مدينة رام الله في الضفة الغربية. ولم تخل عملية الإخلاء من مفارقة، فمقابل إجلاء 330 مستوطناً عن «عمونا»، أقرت الحكومة بناء 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة، في محاولة منها لاسترضاء المستوطنين، ما يمهد لتحريك ملف الاستيطان في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وفق ما لوّح به مسؤول فلسطيني. وهذا الإعلان هو الثالث خلال 11 يوماً منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب، وبعد أسبوع واحد فقط من إعلان الحكومة خطة لبناء 2500 وحدة استيطانية، وأخرى لبناء 650 وحدة. وأثناء عملية إخلاء «عمونا»، وهي أكبر موقع استيطاني عشوائي أقيم من دون تصريح رسمي وأصبح رمزاً لحركة الاستيطان، أشعلت إطارات سيارات، فيما اشتبك مستوطنون وشبان مع رجال الشرطة. وهتف الشبان: «اليهودي لا يطرد يهودياً»، في حين قال أحد زعماء المستوطنين أفيخاي بافارون للصحافيين: «لن نترك منازلنا بإرادتنا. جرونا للخارج وسنذهب». وفي الطرف المقابل، قال رئيس بلدية سلواد عبدالرحمن صالح ل «الحياة»: «نحن أكثر من سعداء، نحن مبتهجون، هذه المرة الأولى التي ننجح فيها في إخلاء بؤرة للمستوطنين عن أرضنا» موضحاً: «أمضينا 20 عاماً أمام المحاكم، وعانينا كثيراً، لكن في النهاية نجحنا»، ما يمهّد أمام آخرين سلوك الطريق ذاته. وقال: «سنرى العشرات من القضايا أمام المحاكم، يجب أن نطرق أي باب يوصلنا الى أرضنا حتى لو كان المؤسسات الإسرائيلية». وكانت الحكومة الإسرائيلية قدمت مشروع قرار الى الكنيست (البرلمان) يسمح لها بالبناء على أراضٍ فلسطينية ذات ملكية خاصة، لتجنب تكرار تجربة إخلاء «عمونا». وصادق الكنيست على مشروع القرار بالقراءه التمهيدية، وشرع في مناقشة القراءتين الثانية والثالثة، على أن يتم التصويت عليه الأسبوع المقبل. وأعلنت الرئاسة الفلسطينية بدء مشاورات عاجلة لمواجهة الحملة الاستيطانية. وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة: «نطالب الإدارة الأميركية بضرورة لجم سياسة الحكومة الإسرائيلية والتي من شأنها تدمير عملية السلام». وأعلن رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات من جانبه، أن الجانب الفلسطيني سيحيل قرارات التوسع الاستيطاني الجديدة على المحكمة الجنائية الدولية، مضيفاً: «الاستيطان جريمة حرب، وسنلاحق قادة إسرائيل في المحاكم الدولية». وأوضح أن «المحكمة التي فتحت تحقيقاً أولياً في الشكوى الفلسطينية في شأن الاستيطان قبل أكثر من عام، مطالبة الآن بعد هذه القرارات بفتح تحقيق رسمي في قيام الحكومة الإسرائيلية بسلب الأراضي الفلسطينية بلا توقف». واعتبرت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي أن «هذا التصعيد الاستيطاني المحموم وغير الشرعي يقود في شكل سريع وممنهج إلى زوال حل الدولتين نهائياً». وقالت: «إن صمت الإدارة الأميركية الجديدة، بما فيها أولئك الرسميون الجدد المعينون في البيت الأبيض ويدعمون الاستيطان مادياً وسياسياً ومعنوياً، دفع (رئيس الحكومة بنيامين) نتانياهو الى تفسير هذا الدعم والصمت باعتباره موافقة على هذا التصعيد الاستيطاني وتشجيعاً له». وبدا أن ملف الاستيطان مطروح أيضاً في أروقة الأممالمتحدة، إذ أصدرت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة نيكي هايلي بياناً ذكرت فيه أنها أجرت لقاءات مع سفراء إسرائيل وبريطانيا وفرنسا وأوكرانيا، وأعربت «عن التزامها القوي تجنب أي تكرار للقرار الكارثي الذي أصدره مجلس الأمن آخر العام الماضي وحمل الرقم 2334» ودان الاستيطان.