طفل بدوي لم تعرف قدماه الحذاء، عمل مراسلاً براتب ثلاثة ريالات، وحصل على شهادات عليا، ليتولى حقيبة النفط في دولة تختزن أراضيها ربع الاحتياط العالمي من النفط في العالم، وتتحكم في أسواقه. ربما تلخص العناوين الأربعة الماضية مسيرة علي النعيمي التي تمتد على أكثر من 8 عقود، رواها وزير النفط السعودي السابق، والذي يعمل حالياً مستشاراً في الديوان الملكي، أمام أكثر من 200 شخص في إحدى قاعات الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية. على مدار ساعتين قدّم النعيمي سرداً مختصراً لتجربته الغنية بالمواقف والأحداث منذ أن كان طفلاً بدوياً، موضحاً أنه عندما عرفت قدماه الحذاء في بداية التحاقه بالمدرسة حملها، ليحافظ عليها من التلف، شارحاً كيف انتقل من راعي غنم يطلب الماء والكلأ إلى صانع قرار على صعيد في سوق النفط العالمية، وشخصية مؤثرة في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، ومقرها فيينا. وقال النعيمي: «ما زلت أذكر كيف قادتني الصدفة وشظف العيش وأنا ابن ال12 إلى العمل مراسلاً في شركة أميركية جديدة (أرامكو)، وإلى الدراسة في بيروت، ثم مبتعثاً إلى جامعة ليهاي في بنسلفينيا، أتبعتها بدراسة الماجستير في جامعة ستانفورد العريقة، لأعود إلى الوطن وأتدرج في مهمات ومناصب وتحديات متنوعة، إلى أن وصلت إلى منصب الرئيس التنفيذي لأكبر شركة نفط في العالم. في عقده الثامن، ما يزال النعيمي يمارس الرياضة ويهوى تسلق الجبال، ما مكنه من إنهاء اتفاقات نفطية كبرى مع رؤساء تنفيذيين لكبريات الشركات العالمية في كوريا الجنوبية وأميركا، والذين كان يمارس معهم الرياضة نفسها، وهو ما كان دافعاً له لتعزيز قدراته النفسية في مواجهة التحديات والصعاب. وروى قصته عندما كان مرافقاً لأخيه في جولاته مراسلاً، كان يواصل تعليمه آنذاك، متحدثاً عن أمنيته في تلك السن الباكرة، التي باح بها لمدرّسه عندما سأله عن أمنيته في الكبر، قائلاً: «أريد أن أصبح رئيساً لشركة أرامكو»، ولكن حدث أن توفي أخوه عبدالله وهو في سن ال17، لإصابته بالتهاب رئوي، ما جعله يتحمل مسؤوليات أكبر من سنه، مشيراً إلى الدعوة التي تلقاها حينها من أحد الموظفين في «أرامكو» للعمل مكان أخيه، وأصبح إثرها موظفاً رسمياً في الشركة. تحدث النعيمي حول الموقف المؤثر في حياته، حين تم طرده من «أرامكو» بعد تسعة أشهر من توظيفه «من دون ذنب»، وذلك بعد أصدرت الحكومة أنظمة جديدة للعمل تحظر على الشركة توظيف من هم دون سن ال18، مشيراً إلى تنقلاته في ما بعد بين ثلاث وظائف لدى مقاولين سعوديين في مجال البناء، لافتاً إلى ما تركته تجربة الطرد وتنقلاته بين الوظائف في مجال المقاولات، ومن ثم الطرد منهم واحدة تلو الأخرى إلى عودته إلى «أرامكو» مرة أخرى، من أثر كبير في حياته، لأنه أدرك ذاته عن قُرب، وأنه كان فطناً سريع التكيف، وأنه كلما اعتمد على نفسه ازداد احترام الناس له. وطالب شباب الأعمال ب«تحاشي الأفكار التقليدية والاتجاه إلى الابتكار، والدخول إلى عالم الأعمال عبر مجالات جديدة غير نمطية»، داعياً إياهم إلى ضرورة «التحلي بالنزاهة والصبر ومقاومة التحديات واتباع أساليب القيادة المرنة والاهتمام في العاملين معهم». وقال الوزير السابق المستشار الحالي إن الدولة تسعى إلى تنفيذ «رؤية تنموية طموحة، تهتم بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لأنها من أهم محركات النمو الاقتصادي، إذ تعمل على خلق الوظائف ودعم الابتكار وتعزيز الصادرات»، مشيراً إلى ما فطنت إليه الدول المتقدمة باكراً بوضع المشاريع الصغيرة والمتوسطة على قائمة أولوياتها، مثل اليابان وأميركا والصين، التي تُسهم فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة ب60 في المئة من صادراتها إلى الخارج. وأبدى النعيمي تفاؤله بمستقبل المملكة الاقتصادي، لافتاً إلى أنها من أقوى 20 اقتصاداً في العالم، «وتمتلك رؤية طموحة وجديدة نحو مستقبل أفضل للأجيال المقبلة، وهذا عائد إلى تنويع الاقتصاد والذي يعد من أهم مقومات استدامته، وعلى رغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية لاقتصادنا، إلا أن الدولة بدأت التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية مثل التعدين»، مشدداً على أهمية المورد البشري، باعتباره «رأسمال التنمية»، ناصحاً الشباب ب«المبادرة والسعي إلى الرزق وعدم الانتظار».