منذ فترة وجيزة، بدأ نظام «ساهر» يعطي المخالفات المرورية من دون سابق إنذار، في وقت كان المجتمع يترقب مع «ساهر» الإصلاحي، إصلاح خلل المركبات الإدارية، وملاحقة التطوير والقضاء على المعوقات أينما وُجدت. لكننا فوجئنا بنظام ساهر للمخالفات المرورية الذي هو بلا شك نظام متحضر، ولكن تطبيقه في مجتمعنا يحتاج إلى سنوات، حتى نصل إلى أهدافه المرجوة، فليس من المقبول أن نفتح الجامعات قبل المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم قبل أن نقرر العمل بنظام ساهر الصارم، علينا أولاً فتح مجالات أكثر أهمية للمجتمع، في مقدمها معالجة معضلة البطالة، وفتح منافذ عمل للعاطلين، أمامنا معالجة مشكلات أصحاب الدخول المتواضعة، التي خلفت وراءها الكثير من المشكلات الاجتماعية. أيضاً أمامنا الخلل الإداري الجاثم على قطاعاتنا الإدارية، أمامنا تعزيز وعي المجتمع ورفع كفاءته وتطوير أخلاقياته، حتى نصل إلى مراقبة ومحاسبة الذات، قبل أن نشرع نظاماً يتابع ويحاسب الخلل المروري على هذه الآلية المتقدمة. ثم عند نضوج المجتمع وتحقيق نتائج متقدمة في حاجاته الأساسية، ووصولنا مع مبدأ الأولويات إلى أهمية تطبيق نظام ساهر المروري، نحتاج معه أولاً إلى منظومة تأهيلية للمجتمع تتعلق بتدرج وجوده، ثم إلى شرح مسبباته وآلياته، ثم إلى دراسة تحديد السرعة في كل المواقع بشكل متوازن، مع الأخذ في الاعتبار التغاضي عن نسبة محدودة من السرعة، تهيئة للنفوس وتحقيقاً للأمانة والنزاهة. وقبل تشريع هذا النظام، يستلزم إعطاء المجتمع وقتاً مناسباً لمدة عام على الأقل، للتعرف على تفاصيل هذا النظام والتكيف معه، بحيث يبدأ «ساهر» بإرسال رسائل توعية حول السرعة على غرار «أخي السائق نظام ساهر سيطبق في عام كذا»، و«نحيطك علماً بأنك تجاوزت السرعة المحددة في هذا الموقع، فالسرعة المحددة 80 كيلومتراً في الساعة... من فضلك نرجو مراعاة ذلك مع موافاتنا باقتراحاتك وملاحظاتك». الواقع يؤكد أن النظام الحالي ارتجالي ولم يبن على ثوابت شاملة تحدد السرعة داخل المدينة، والسرعة في طرق الخدمة والسرعة خارج المدن أو الشوارع المفتوحة، ولفت انتباهي رجل يقود سيارته ببطء شديد في أحد الشوارع، فسألته إن كان يريد مساعدة، فشكرني ثم قال أخشى أن أقع في مطب تحديد السرعة غير الواضح. أليس الأولى أن نعد نظام ساهر لتفقد أحوال مجتمعنا وأمنه الشامل وتحليل متطلباته وحاجاته الأساسية على الأصعدة كافة، فهل انتهينا من توفير لقمة عيش الكفاف لشريحة كبيرة من الخريجين؟ هل انتهينا من تفقد أحوال المحتاجين في بلدنا؟ ثم هل قطعنا شوطاً كبيراً في تبسيط وتخفيف الإجراءات في كثير من قطاعاتنا الإدارية؟ وهل استطعنا أن نحصر الأمراض الإدارية في زوايا مظلمة؟نحن مع «ساهر» نحتاج إلى أن نفكر في مستقبل بلدنا وبناء مجتمعنا على أسس حضارية وشرعية قبل أن نقفز إلى مصالح ساهر ونظامه المقلق الذي عصف بنا من دون مقدمات. [email protected]