طوى تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة أمس، عهد باراك أوباما، مهدداً بتحوّلات عميقة في البلاد، جسّدها استعجال الرئيس الجديد توقيع مراسيم تنفيذية تطيح مشاريع أُقِرت خلال ولايتَي سلفه. وتعهد الرئيس السابق للأميركيين «البقاء إلى جانبهم»، مندداً بمعارضة الكونغرس إغلاق معتقل غوانتانامو، فيما شنّت موسكو هجوماً عنيفاً عليه، إذ اتهمته ب «تدمير» العلاقات مع واشنطن. لكن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أبلغت أوباما بأنها ستحضّ دول الاتحاد الأوروبي على «ألا تتأثر بانتقادات» ترامب. وشهدت احتفالات التنصيب تظاهرات مؤيّدة للرئيس الجديد ومعارضة له، في واشنطن ونيويورك ومدن أخرى، في الولاياتالمتحدة والعالم، وتخلّلها صدام مع الشرطة. استبق دونالد ترامب تنصيبه أمس رئيساً للولايات المتحدة، بإعلانه «بدء العمل»، والذي يُرجّح أن يتضمّن توقيعه مراسيم تنفيذية تطيح مشاريع أُقِرت خلال عهد سلفه باراك أوباما الذي تعهد للأميركيين «البقاء إلى جانبهم». وبعد ليلة أمضاها في «بلير هاوس»، المقرّ المخصص للضيوف البارزين مقابل البيت الأبيض، شرب ترامب وزوجته ميلانيا الشاي مع باراك وميشيل أوباما، ثم توجّهوا معاً إلى الكابيتول لأداء القسم الدستوري. واختار ترامب لهذا الأمر نسختين من الكتاب المقدس، واحدة قدّمتها له والدته عام 1955، والثانية تعود إلى أبراهام لينكولن، استخدمها أوباما قبل أربع سنوات. وكتب الرئيس الجديد على موقع «تويتر»: «كل شيء يبدأ اليوم! الحراك يستمر - العمل يبدأ!». وكان تعهد «توحيد بلادنا»، إذ قال أمام آلاف من أنصاره خلال احتفال في واشنطن إنه سيعمل لتكون «أميركا عظيمة للجميع»، وأن يتجلى ذلك «في كل مكان في البلاد. وهذا يشمل المراكز الحضرية، هذا يشمل الجميع. لم يسبق أن كانت هناك حركة من هذا القبيل». وخاطب مؤيّديه قائلاً: «أنتم لستم منسيين، أعدكم بأن الأمور ستتغيّر، وبأنني سأعمل بجهد. سنعيد وظائفنا. لن نسمح بعد الآن للبلدان الأخرى بسرقة وظائفنا. سنطوّر جيشنا الضخم، ونعزّز حدودنا. سنفعل أشياء لم تتحقّق منذ عقود». في المقابل، كتب أوباما على حسابه الرئاسي الرسمي في «تويتر»، مخاطباً الأميركيين: «خدمتكم كانت شرف حياتي. ما زلت أطالبكم بأن تؤمنوا، لا في قدرتي على إحداث تغيير، بل في قدرتكم» على فعل ذلك. وأضاف: «لن أتوقف، وسأكون معكم بوصفي مواطناً، مستوحياً من أصواتكم (الداعية إلى) الحق والعدالة، وروح الدعابة، والحب». وغادر أوباما المكتب البيضوي للمرة الأخيرة، قبل استقباله خلفه وزوجته ميلانيا. ودخل الرئيس السابق المكتب البيضوي، حيث يعمل الرؤساء الأميركيون، حاملاً رسالة شخصية موجّهة إلى خلفه وضعها على المكتب، وهذا تقليد في الولاياتالمتحدة. ولدى سؤال أوباما أثناء مروره في ممر الجناح الغربي، هل يشعر بحنين، أجاب «بالطبع». وطُلب منه أن يقول كلمة أخيرة للشعب الأميركي، فقال «شكراً لكم». ولدى وصول أوباما إلى المكتب البيضوي قبل ثماني سنوات، وجد رسالة شخصية من سلفه جورج دبليو بوش، ورد فيها: «قلّة فقط أُتيح لهم شرف حمل المسؤولية التي تشعر بها الآن. وقلّة فقط يعرفون مشاعر السرور بهذه اللحظة والتحديات التي يواجهونها. ستمرّ بلحظات صعبة. وسيثور منتقدوك. وسيخيّب «أصدقاؤك» آمالك. ولكن سيكون الله دوماً إلى جانبك ليطمئنك، وعائلتك التي تحبك وبلدك الذي سيساندك، بمن فيهم أنا. مهما واجهك (من صعاب)، ستستمدّ الهامك من طبيعة الشعب الذي تقوده الآن وتعاطفه». مراسيم تنفيذية لكن الرئيس السابق قد يشهد سريعاً إسقاط مشاريع جهد كثيراً لإنجازها، إذ قال عضو في الفريق الانتقالي لترامب أن مستشاري الأخير فحصوا أكثر من 200 مرسوم تنفيذي محتمل، لدرس توقيعه عليها، وتتعلّق بالرعاية الصحية وسياسات المناخ والهجرة والطاقة، ومسائل أخرى، وهي إجراءات يمكن تطبيقها من دون تدخل من الكونغرس. وقال شون سبيسر، الناطق باسم ترامب، إن الرئيس «ملتزم ليس فقط في اليوم الأول، بل أيضاً في اليومين الثاني والثالث، وضع أجندة تغيير حقيقي، وسترون ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة». وأضاف أن ترامب سيعلن رسمياً أنه يخطط للانسحاب من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، وإعادة التفاوض في شأن اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك. واستخدم رؤساء آخرون، بينهم أوباما، هذه الاستراتيجية في الأسابيع الأولى لحكمهم. وقال جوليان زليزر، وهو مؤرخ معني بالشؤون الرئاسية في جامعة برنستون، إن ترامب «يريد إظهار أنه سيتخذ إجراءً، ولن يخنقه الطريق المسدود لواشنطن». ويخطط ترامب لزيارة مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) اليوم في لانغلي بولاية فيرجينيا، علماً أنه انتقد الوكالة ورئيسها المنتهية ولايته، مشككاً في ما خلصت إليه حول ضلوع روسيا في اختراق إلكتروني لانتخابات الرئاسة الأميركية، لكنه عاد وقبِل تقارير الوكالة. كما شبّه ترامب أجهزة الاستخبارات الأميركية بألمانيا النازية. وأظهر استطلاع رأي أعدّته شبكة «إي بي سي نيوز» بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست»، أن 40 في المئة من الأميركيين ينظرون إلى ترامب بإيجابية، وهذا أدنى مستوى من التأييد لرئيس جديد، منذ الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر عام 1977. كما أفادت دراسة أعدّها مركز «بيو» للبحوث بأن 86 في المئة من الأميركيين يرون ان بلادهم تشهد انقساماً أكبر من الماضي، في مقابل 46 في المئة لدى تولي أوباما الرئاسة. وإذ يواصل الرئيس الجديد عبر «تويتر»، تصفية حسابات مع منتقديه، اعتبر السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين أن ترامب «يبدو انه سيحارب كل طاحونة هواء يجدها، بدل التركيز على مهمات أهم منصب في العالم». إيفانكا وأقرّت إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الجديد، بأن «البلاد منقسمة جداً»، مشيرة إلى أنها «تطلب منه أحياناً» الامتناع عن استخدام «تويتر»، وإن اعتبرت أن الموقع أداة «مؤثرة جداً» تتيح له توصيل رسالته فوراً. واستدركت: «رأيت طيلة عمري أن والدي رجل قادر على التوحيد في شكل لا يصدق. لذلك أقول لكل معارض له: اعطه وقتاً، دعوه يتولى مهماته، ويثبت أنكم مخطئون». وأكدت أن والدها «برهن طيلة حياته على دعمه للمرأة ودفاعه عنها»، مشددة على أن زوجته ميلانيا «ستكون سيدة أولى رائعة وأنا فخورة بها». كما أكدت أن زوجها جاريد كوشنر «رجل إنساني مميز»، علماً أن ترامب عيّنه مستشاراً في البيت الأبيض. ولم تستبعد ايفانكا التأثير في ملفات. إلى ذلك، غادر وزير الخارجية الأميركي جون كيري وزارة الخارجية، بعد أربع سنوات في منصبه، من دون تسليم الدفة لريكس تيلرسون الذي رشّحه ترامب لتولي الحقيبة، لأسباب تتعلّق ب «جدول الأعمال». اوباما ينتقد الكونغرس لمعارضته اغلاق غوانتانامو عجز الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عن إيفاء تعهده إغلاق معتقل غوانتانامو، على رغم خفض ضخم في عدد نزلائه، مندداً بمعارضة الكونغرس الأمر. ووَرَدَ في رسالة وجّهها أوباما الى الكونغرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون: «لا تبرير لإصرار الكونغرس على الاحتفاظ بمركز الاعتقال مفتوحاً. التاريخ سينتقدنا بقسوة في هذا الجانب من حربنا ضد الإرهاب». واعتبر أن «غوانتانامو يتعارض مع قيمنا ويضعف مكانتنا في العالم، وحان الوقت لوضع حد لهذا الفصل من تاريخنا»، مكرراً اقتناعه بإمكان إغلاق المعتقل من دون أن يشكّل ذلك خطراً، وتوفير أموال دافعي الضرائب في الولاياتالمتحدة. ولدى تولّي أوباما منصبه في كانون الثاني (يناير) 2009، كان هناك 242 معتقلاً في غوانتانامو، لكنهم الآن 40 فقط، علماً أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية، استعداده لإبقاء غوانتانامو مفتوحاً ل»ملئه بأشرار». في السياق ذاته، أعلن مسؤول أميركي أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أرسلت الخميس، أربعة من معتقلي غوانتانامو في كوبا، إلى دول أخرى. الى ذلك، سجّل أوباما رقماً قياسياً في قرارات تخفيف العقوبات، إذ بلغت 1715 عفواً رئاسياً، بعد تخفيفه الخميس عقوبات بالسجن في حق 330 شخصاً، حُكم على الجزء الأكبر منهم في قضايا مخدرات. وأعرب أوباما الذي أنهى ولايته الثانية أمس، عن «فخره»، وكتب على موقع «تويتر» أن «أميركا هي بلد الفرص الثانية».