بدأت الشركات المساهمة العامة في المنطقة بالإفصاح عن نتائج الربع الثالث والشهور التسعة الأولى من السنة استناداً إلى قوانين هيئات الأوراق المالية التي تفرض عليها الإفصاح كل ثلاثة أشهر عن نتائج أعمالها للمساهمة في ربط أسعار أسهمها بمستوى أدائها. وتكمن أهمية هذه الإفصاحات خلال هذه الفترة الزمنية العصيبة من تاريخ أسواق المال التي أدت إلى خسارة المستثمرين جزءاً مهماً من ثرواتهم نتيجة لتراجع ربحية معظم الشركات بنسب كبيرة، في كونها توضح مدى استمرار تأثر أداء الشركات المساهمة العامة بتداعيات الأزمة المالية العالمية التي مضى عليها أكثر من سنتين. وتساهم هذه الإفصاحات في ترشيد قرارات المستثمرين سواء لجهة توقيت الشراء أو البيع، وشراء أسهم الشركات الجيدة وبيع أسهم الشركات الضعيفة، كما تساهم في مساعدة المستثمرين المتخصصين في تقويم الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة بعد ان فقد بعض الأسهم 60 إلى 70 في المئة من قيمته في السوق من دون مبررات موضوعية، فأصبح القرار الاستثماري في الأسواق المالية، سواء بالبيع أو الشراء، معقداً في ظل ضبابية التوقعات وضعف مستوى الإفصاح والشفافية وضعف الوعي الاستثماري. يتطلب ضعف الثقة في الاستثمار في الأسواق المالية الإسراع بالإفصاح الدوري، المطلوب كل ثلاثة أشهر، فالتباطؤ في نشر البيانات المالية يؤسس لبيئة خصبة للشائعات التي يروّج لها بعض المضاربين بهدف حفز طلب أو عرض مصطنعين يؤديان إلى خسارة بعض المستثمرين في مقابل تحقيق مكاسب لبعض المضاربين. ولا يتطلب إعداد البيانات المالية الدورية، سواء منها ربع السنوية أو نصف السنوية، وقتاً طويلاً، كما هي الحال بالنسبة إلى التقارير المالية السنوية التي تستدعي موافقة من قبل الجهات الرقابية، خصوصاً هيئة الأوراق المالية أو المصرف المركزي، إضافة إلى موافقة مدققين خارجيين، ما يفند التبريرات التي تعلنها شركات كثيرة لتأخرها في نشر بيانات الربع الثالث. وتتطلب المرحلة الحالية من الشركات الجودة في الإفصاح وما يستتبع ذلك من نشر للمعلومات الجوهرية والبيانات والأرقام والمؤشرات كلها، إضافة إلى مصادر الأرباح المحققة وتوضيح تفاصيل الأرباح التشغيلية والأرباح الاستثمارية والأرباح الاستثنائية غير المتكررة وأرباح إعادة تقويم الأصول من أراضٍ أو عقارات أو غير ذلك من الأصول المعتمد عليها عند تقويم الأرباح، والأسس أو المعايير أو الجهات المعتمد عليها عند تقويم الأصول، خصوصاً في ظل تراجع أداء القطاع العقاري وتذبذب مؤشرات أسواق الأسهم في المنطقة. ومطلوب من المصارف المدرجة توضيح قيمة المخصصات المقتطعة من صافي الأرباح، سواء كانت مخصصات عامة مقتطعة بحسب تعليمات المصرف المركزي أو مخصصات مقررة لمواجهة الديون المتعثرة أو مخصصات محددة لمواجهة خسائر محتملة في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية. وهذه التوضيحات ضرورية للتأكد من جودة قروض هذه المصارف وبالتالي جودة أصولها. وثمة أهمية لتوضيح مؤشرات السيولة ومؤشرات التدفقات النقدية وحجم الديون ومواعيد استحقاقها بالنسبة إلى الشركات المساهمة في مختلف القطاعات بعدما أصبحت هذه المؤشرات مرجعية في مواجهة تباطؤ المصارف في تقديم قروض وسلف لبعض الشركات. وفي بعض القطاعات أصبحت مؤشرات السيولة للشركات أكثر أهمية من مؤشرات الربحية في نظر شريحة مهمة من المستثمرين المتخصصين، إذ ان عدم قدرة بعض الشركات على تسديد ديونها في المواعيد المحددة أو الحصول على قروض من المصارف أدى إلى تعثر مشاريعها وتوسعاتها وعرقل تنفيذ أعمالها. تؤدي جودة الإفصاح وعدم اختصار المعلومات المهمة إلى التأكد من جودة الأرباح. والمقصود ان الأرباح الصافية التي تفصح عنها الشركات تعبر بصدق وواقعية عن الأرباح الحقيقية والفعلية للشركات، فيما يفسرها البعض بأنها الأرباح ذات الوجود النقدي والفعلي الملموس، وبالتالي تكون الأرباح المفصح عنها غير مبالغ بها أو مضللة، في ظل محاولات إدارات بعض الشركات تجميل موازناتها وبياناتها المالية المنشورة بهدف تشجيع الطلب على أسهمها أو الحصول على مكافآت مالية. وبذلك تتطلب الجودة والشفافية في الإفصاح ان تركز إدارات الشركات على جودة الأصول وجودة الأرباح وليس قيمتها. * مستشار في «بنك أبوظبي الوطني» للأسواق المالية