توقفت الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، وانطلقت بعد ذلك سلسلة من المعارك بين فئة من اللبنانيين وإسرائيل في أكثر من جولة كان آخرها في تموز (يوليو) 2006، وعاد الرصاص الداخلي مجدداً في أحداث أيار (مايو) 2008، واليوم من الواضح أن الحروب في لبنان لا تنتهي، وإن توقف رصاصها وقذائفها، تبقى ذكرياتها ومآسيها عالقة في الأذهان، وكل فرد يُعبّر عنها على طريقته. الملاحظ أن جيل السينمائيين الجدد في لبنان قرر أن يجابه الحرب بالكاميرا، فراح ينبشها ويفضح أسرارها عله يرتاح من تلك الذكرى الكئيبة، في محاولة لعرض ما حدث كل من وجهة نظره. فتنوعت الأعمال ما بين الحرب الأهلية وتبعاتها وحرب تموز وما نتج منها من مشاكل اجتماعية واقتصادية، وأحداث أيار وما غيرته في نفوس سكان بيروت. والمتابع للأعمال السينمائية في لبنان منذ 10 سنوات، يلاحظ أن غالبية مشاريع التخرج في لبنان (وحتى معظم أعمال بعض المخرجين المخضرمين) تتناول الحرب فئة كبيرة منها. يقدّم الفيلم الروائي «جيش من النمل» والذي عرض أخيراً في هنغار أمم (بيروت)، البعد النفسي لثلاثة شبان بعد حرب تموز، وكيف تغيّرت نشاطاتهم وبات السلاح جزءاً من تسليتهم ومرحهم. حاول المخرج اللبناني وسام شرف أن يرصد حياة شاب انتقل من ضوضاء المدينة وصخبها الى قرية جنوبية ليعيش فترة في بيت جده. عمل الشاب مع سائق جرافة لفترة، بيد أن عثوره على لغم قديم جعله يهرب وصديقه من العمل، ولم تستطع فرقة مختصة أن تفك اللغم فانفجر وتطايرت الجرافة أشلاءً. التقط الشاب من موقع الانفجار صورة شهيد، أخذها وعلقها فوق سريره. الشاب لا يعرف هوية الشهيد، بيد أن علاقة ما نشأت بينه وبين الصورة. قرر الشبان الثلاثة أن يشتروا بندقية حربية مع ذخيرة، وأن يختبروا شعور اطلاق النار وحتى إن كان في الهواء. بيد أن المخرج حاول في هذا المشهد عرض ثلاث وجهات نظر عبر وجوه الممثلين وتعابيرهم والطريقة التي وقفوا فيها. أحدهم أطلق النار بغضب وكأنه ينتظر حرباً أو يشتاقها، وآخر أطلق الرصاص بتمعن كأنه يحاول اصابة الهدف، أما الأخير فكان يُخرِج الطلقات بقرف وكأنه يرفض الحرب وعبثيتها، وقد يكون هذا المشهد محور الفيلم وما أراد المخرج أن يوصله الى الجمهور. ومن الجمل المثيرة التي وردت في الفيلم ويحمل تفسيرها أوجهاً عدّة أن «السلاح زينة الشباب»، وربما لمّح شرف هنا الى بعض الأحزاب والقوى في لبنان التي تسعى مجدداً الى التسلح واستقطاب فئة الشباب وتدريبها وصقل مواهبها و «إعطائها ثقة زائدة بالنفس» عبر رشاش أو مسدّس. يرفض بطل الفيلم في المشهد الأخير، أن تستمر علاقته مع الشابين الآخرين خصوصاً أنه ادرك أن السلاح يجر المشاكل، فرفض المضي قدماً في ذلك، وسجل موقفاً ضد العنف والحرب معاً. على رغم ما تقدم ، لم تكن مشاهد الفيلم واضحة، ذلك أن المخرج اعتمد الرمزية في ايصال ما يريد أن يقوله للجمهور. كما أن الحبكة الروائية لم تكن موفقة، وهنا تكمن المشكلة. يطرح وسام شرف فيلمه على أنه روائي، لكن الحوارات كانت قليلة إن لم تندر، وغاب النص في الفيلم لمصلحة الصورة. لذا من الممكن اعتبار الفيلم تجريبياً وليس روائياً (23 دقيقة). كما وقع المخرج اللبناني في بعض الأخطاء، فمثلاً حين شاهدنا الجرافة أول الفيلم كانت من النوع الذي يتحرك على سكة حديد، ولكن حين انفجرت رأينا دولاباً يتأرجح على الطريق! كما أن زمان الفيلم ومكانه لم يكونا واضحين في المشاهد، ولولا اعطاء أحد الممثلين المشاركين في العمل بعض المعلومات لما أدركنا أن الفيلم صوّر في الجنوب اللبناني بعد حرب تموز. ولِشَرَف الذي يقيم في فرنسا منذ عام 1998، فيلمان روائيان قصيران اضافة الى «جيش من النمل» هما «هز يا وز» (2004) و «البطل لا يموت» (2006).